أحتفظُ بقبضة ماء وأخسرُ البحر

15 يونيو 2021
عمر ريو ريّس/ كولومبيا
+ الخط -

قطعة اليوكا
التي قسمها صاحب صديقتي لثلاثة أجزاء
ذلك الجزء الرابع
الذي لم يفكّر فيه:
بلدي... منفاي.


■ ■ ■


- ماذا يسحبون بحبالهم؟
- البحر.
-الصيّادون!
-يقتطعون لهم من البحرِ بيتاً.


■ ■ ■


فتّشني ضابط الشرطة
يبحث في حقيبتي عن خطر محتمل.
خاب مسعاه،
ومسعاي،
في أن يجد شيئاً.


■ ■ ■


أختي في رسالةٍ صوتيَّة
ارتكبَتْ خطأً في البلاغة
قالت:
كُنتَ حنوناً.
قتلني الماضي في اللغة،
والحاضر خارجها.


■ ■ ■


أكتب قصيدة عن الدودة التي انكمشت
ترجوني ألّا أدهسها بمكنستي
- بعد أن بكيت لبنان بعد الانفجار -
أرقب سرطاناً كبير الحجم يعبر الطريق
وأرى موته قبل أن يقتلوه
أحاول إنقاذه
لا أقدر
أرى أشلاءه تتناثر على الطريق
توزّع ما بقي فيها من حياةٍ
في النسيم يعيدها إلى البحر
ليُدفن حيث عاش
أعدل صرصاراً مقلوباً
وأنا أذكر قصيدة مايكل بينيتيس عن الحبّ
لكنّني الآن
بوحشيّتي الأصيلة
أدوس حشرةً لا أعرف اسمها
ولا تاريخ ميلادها
لم أنظر إلى عينيها
قبل أن أنفذ الحُكم
ولم أسألها عن أمنيتها الأخيرة
لم أفكر في أُمّها التي ستثكلها
ولا في صغارها المُنتَظِرين
هل قتلتُها جائعةً عَطْشَى؟
لم أمنحها من زجاجتي الكبيرة
شربةَ ماء.
كانت حشرةً
وكان يمكن لها أن تعطّلني عن كتابة هذه القصيدة،
دُستها وألقيت بها من النافذة.

الآن
أذكر ضابط الشرطة
في بلادي.


■ ■ ■


سأدفع عن رسمتي
بالرملِ والحجارةِ
سأبني قلاعاً وأسواراً
لأحمي في الرمل رسمي
سأضربُ هذه الأمواج
بكراتِ رمل الشاطئ
سأنزع قميصي وأجعل منه
سلاحاً
أضرب به الماءَ الغشيمَ
لن يلتهم البحرُ رسوماتي الصغيرة.


■ ■ ■


أقرأُ لصاحبتي آخر ما كتبتُ
وأجرُّ النعتَ بدلَ رفعِه
أعودُ لبدءِ القراءةِ من جديد
أصحّحُ خطأً لا يُهِمُّ العالَم.


■ ■ ■


انكسرَ قلبُ صديقتي
فوضَعَتْ يديها بين كفّيَّ
وقالت لي:
انظُرْ إلى قلبي المُهَشَّم
أخذتُ بيدِها إلى البحرِ
وغرفتُ غَرفَةً
ثم سألتُها:
ماذا ترين؟
-الماء يذهب.
غرفتُ غَرْفةً أُخرى، ثم سألتها:
-والآن؟
-ماءً أكثرَ
غرفتُ ثالثةً، وأعدتُ السؤال:
-الآن؟
-أكثر وأكثر.
ثم وضعتُ يَدِي اليُسرى تحت اليُمنى، وأخبرتُها:
الآن يمكنني حبسُ هذا الماءِ بين يدي فلا يُفلِتُ
لكن انظري إلى كُلِّ هذه الأمواج
سأحتفظ بقبضةِ الماء
وأخسرُ البحر.

 

* شاعر ومترجم مصري مقيم في كولومبيا

المساهمون