استمع إلى الملخص
- الشهادات المحلية تشير إلى اختفاء كامل للأجساد والآثار المادية بعد الضربات، مما يعزز من غموض السلاح وفعاليته المدمرة، وسط غياب الأدلة العلمية الموثوقة.
- رغم التعتيم، يبقى الأمل في كشف الحقيقة مع مرور الوقت، حيث أن الأسرار لا تبقى مخفية للأبد، مهما كانت دقة وخفاء صانعيها.
لم يكتفوا بالقنبلة ذات الـ7000 درجة، وكانوا استخدموها في دير البلح ورفح وخيام المواصي بخانيونس. اليوم في جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا (وربما غداً في مدينة غزّة)، ثمة سلاح أميركي غير معروف من قبل، يُجرّب على أهلنا الباقين، على قلّة عددهم، بعد أن قتلتهم وهجّرتهم قسراً ما تُسمى: "خطة الجنرالات".
سلاح على شكل قنابل تُلقى من الجو، ولها صوت مزلزل غير مسبوق (يسمعه ليس سكان الخليل القريبة فقط، بل سكان يافا وقيساريّة، وما بعدهما أحياناً)، يُلقى على المنازل المأهولة بالخصوص، فيجعل من حجارتها قطع إسمنت بالغة الصغر، يقول عنها قريبي، الناجي الوحيد من عائلته، إنها "حجارة مجروشة"، حيث يُفتَّت الباطون، فلا يكون الحطام غير "حصمة من النوع الصغير". وإنه راح مع الباقين من الشباب، لإخراج الشهداء ودفنهم، فلم يجدوا أحداً. مع أنهم يعرفون يقيناً عدد سكان كل بيت، فبيت فلان كان فيه 12 فرداً، وبيت علان 7، وهكذا.
قال إنهم لم يجدوا أي أثر، بعد تنقيب وجهد، وإنه حتى لا دماء نفرت على أي قطعة جدار، بل ما من رقعة ثياب مُتبقيّة، ولا حتى جمجمة.
سمعت منه ورحت أُتابع وسائل التواصل الصهيوني (التي لا أقربها ولا أقرب سواها، في العادة)، علّي أخرج ببيّنة. بحثت ولم أجد، ثم عثرت على أحدهم يزدهي بأن أهل غزة (قالها بلفظ تحقيري)، ليسوا بحاجة لأكفان بعد اليوم، ولا إلى تكاليف المدافن.. في إيماءة سوداء إلى تحوّلهم من حالة البيولوجيا إلى حالة البخار.
ثم قرأت في غير مكان ما قاله قريبي دون أن يفهمه: إن هذا السلاح، يُبخّر- في قُطر من 250 إلى 400 متر من مركز الضربة - أي جسم بشري أو حيواني، حتى بعد إلقائه بوقت.
والحال، أنْ مرت أيام قليلة عصيبة (وكل أيام الشمال عصيبة، كما لم تكن طوال الـ458 يوماً الماضية)، وعلمت بمقتل عائلة صهرٍ لي، مكوّنة من ستة أفراد، نزلت عليهم القنبلة وسوّت بيتهم المقصوف مجدداً بالأرض. فلما زالت زنّانات الجو التي تراقب وتُعدِم على مدار الساعة، ذهبوا لانتشالهم، فلم يجدوا بقاياهم أو أي أثر مادي تحت الركام. في منشور آخر لأحد أقارب محترفي القتل لا القتال، هنالك إشارة مقتضبة أيضاً إلى عبقرية ما سمّاه ذلك الصهيوني بـ"القتل النظيف".
لا أدلة علمية موثوقة حتى الآن، إنما ثمة شهداء ارتقوا ويرتقون متبخرين، كل ليل: معروفة أسماؤهم، وفي غير حالة. فهل نحن أمام نوع جديد من السلاح المخصص للتطهير العرقي، يتضمّن مادة نووية؟
لن يبقى أي شيء سرّاً إلى الأبد، حتى لو أعوزتنا أداةُ الفحص، فقادماتُ الليالي من الزمان حُبالى، مثقلات يلدن كل عجيب، ويكشفن كل سر، مهما تبجحَ صانعوه بدقّته وخفائه وعبقريةِ الذي صنَع.
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا