آي ويوي: فنٌّ يسائل كورونا والسلطة

09 فبراير 2022
(آي ويوي في لندن، 2021، Getty)
+ الخط -

في سيرته الذاتية "1000 عام من الفرح والحزن" التي أصدرها نهاية العام المنقضي، يستذكر آي ويوي حفرة مربّعة الشكل مسقوفة بأغصان وسيقان الأرز ومغطّاة بالطين، عاش فيها وهو لم يبلغ العاشرة من عمره برفقة والده الذي أُبعد إلى منطقة سيبيريا الصغيرة (أقصى شمال شرقي البلاد، قُرب الحدود الروسية) بسبب معارضته للسلطات الصينية.

هكذا تفرّقت العائلة بين أمّ منهكة ومحبطة مع طفلها الصغير، بينما فضّل طفلها الآخر الذهاب إلى المنفى مع أبيه آي تشنغ، الذي فُرضت عليه الأشغال الشاقّة كما تعرَّض للتمييز من قبل رفقاه المنفيّين معه إلى أقصى الحدود، بوصفه "شاعراً بورجوازياً".

(من المعرض)
(من المعرض)

لا تبتعد هذه المذكرات التي دوّنها الفنان الصيني (1957) عن موضوع معرضه "حرّية الشكّ" الذي يُفتتح السبت، الثاني عشر من الشهر الجاري، في "ساحة كيتيل" بجامعة "كامبردج" البريطانية، ويتواصل حتى التاسع عشر من حزيران/ يونيو المقبل.

يضمّ المعرض أعمالاً جديدة جنباً إلى جنب مع قطع تاريخية صينية، في محاولة لاستكشاف فكرة تلّح على بال ويوي، وتتمثّل في المقارنة بين مفاهيم الحقيقة والأصالة والقيمة، بالنظر إلى أن تاريخ الفن في بلاده لا يعترف بنسخ بالأعمال الفنية ومحاكاتها بوصفها عملية إبداعية.

يوثّق يوميات الوباء واحتجاجات هونغ كونغ وأوضاع اللاجئين

ولأنّ الفن تعبيرٌ سياسيّ من وجهة نظر ويوي، تحضر مقارباته للعولمة والأزمة الجيوسياسية في العالم اليوم، وجائحة كورونا التي تحدّث عنها في أكثر من مقابلة صحافية أُجريت معه مؤخّراً، إذ استبعد أن يكون الفيروس قد انتقل من الخفّاش إلى الإنسان وألّا تكون له صلة له بمعهد الفيروسات في مدينة ووهان، وهو ليس مرضاً طبيعياً، بل تمّ تسريبه بطريقة ما، وهو ما زاد من حدّة الأسئلة الفلسفية والأخلاقية حول تحكّم السلطة في جميع أنحاء العالم.

يُعرض تركيبٌ يتضمّن ثلاثة عشر عملاً وعدداً من الأفلام الحديثة التي أخرجها الفنان بجوار أربع عشرة قطعة أثرية اشتراها ويوي من مزاد نُظّم في كامبردج عام 2020، يعود بعضها إلى عهد أسرتَيْ وي الشمالية (386-534) وتانغ (618-907)، في حين اكتشف أن بعضها الآخر مزيّف.

(من المعرض)
(من المعرض)

في فيلمه الوثائقي "التتويج" (2020)، يوثّق الفنان الصيني الأحداث في ووهان خلال الجائحة، وكيف استجابت الحكومة والمواطنون لتفشّي المرض وتأثّروا به، وكيف غُيّبت المعلومات والحقائق والأرقام حوله حتى اليوم. وتعاون معه في تنفيذ العمل عشرات المتطوعين الذي ساعدوه سرّاً في تصوير لقطات من داخل المستشفيات والمنازل ومناطق الحجر الصحي في جميع أنحاء الصين.

أمّا فيلم "صرصار" (2020)، فيتناول الاحتجاجات في هونغ كونغ عامَ 2019، ضدّ مشروع قانون الحكومة الصينية لتسليم المعارضين الفارّين، تخوّفاً من ملاحقة الناشطين الحقوقيين المعارضين لها. كما يُصوّر فيلم "التدفّق البشري" (2017) الواقعَ المروّع للنزوح الجماعي من مناطق تشهد تغيّراً مناخياً حادّاً ومجاعات وصراعات داخلية (مثل سورية)، ويواجهون خطر الموت قبل وصولهم إلى أوروبا حيث يعانون هناك أشكالاً من التمييز وتنفتح أزمتهم على المجهول.

ويُعرض أيضاً شريط "إسقاط الجرّة" الذي نفّذه ويوي عام 2015، ويتكوّن من ثلاثة أعمال فوتوغرافية مؤطّرة تُصوّر إلقاء قطعة خزفية عمرها حوالي ألفي عام، في إشارة إلى القيَم التي حاول الرئيس الأسبق ماو تسي تونغ فرضها خلال الثورة الثقافية (1966-1976) باعتبارها تدميراً للتراث الصيني، إلى جوار مصباح زيت بقاعدة من الحجر الجيري الأسود ينتمي إلى عهد أسرة هان.

يُحيل التجاور بين أعمالٍ تنتسب إلى فترتين تاريخيتين مختلفتين إلى تساؤل أساسيّ يطرحه آي ويوي حول الدور الذي تلعبه المتاحف كحارسة بوّابة تاريخية وثقافية في الغرب المهووس بمفاهيم الحقيقية والأصالة، خلافاً للفلسفة الصينية التي تنظر إلى الفن بوصفه جزءاً من الطبيعة، وبالتالي فهو في حالة تحوّل مستمرّ.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون