آسيا جبّار.. عثرات جائزة أدبية

13 ابريل 2022
آسيا جبار في باريس، 2005 (Getty)
+ الخط -

لا يكفي إطلاقُ اسمٍ كبير على جائزةٍ أدبية، أو إضافةُ صفة "الكبيرة" إليها، لتكون كبيرةً فعلاً. لعلَّ ذلك ينطبق، إلى حدٍّ بعيد، على "جائزة آسيا جبّار الكُبرى للرواية" التي أطلقتها "المؤسَّسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار"، التابعةُ لوزارة الاتصال في الجزائر، بعدَ أسابيع قليلةٍ مِن رحيل الكاتبة البارزة (1936 - 2015)، ثُمّ انضمّت إليها "المؤسَّسة الوطنية للفنون المطبعية" التابعةُ لوزارة الثقافة.

بتمويل مِن المؤسَّستَين الحكوميّتَين مجتمعتَين، لم تتجاوَز القيمةُ المالية للجائزة، التي تُمنح لرواياتٍ جزائرية مكتوبةٍ باللغات العربية والأمازيغية والفرنسية، مليونَ دينار جزائري (أقلّ من خمسة آلاف يورو) في كلّ فرع؛ وهي قيمةٌ أقلُّ بكثير ممّا تمنحُه جوائز الرواية البارزةُ في بلدان أُخرى. رغم ذلك، فقد تقلَّص هذا المبلغُ، ابتداءً مِن دورتها الخامسة في 2019، إلى حدود سبعمائة ألف دينار جزائري (قرابة 3500 يورو).

وهذا المبلغ، على بساطته، هو أهمُّ ما في الجائزة؛ إذْ لم تُقِم، منذ تأسيسها، ندواتٍ ولقاءات مع الكتّاب الفائزين بها للإضاءة على أعمالهم الفائزة والترويج لها، ولم تُترجِم هذه إلى لغاتٍ أُخرى. في كلّ مرّة، يُدعى الفائزون إلى حفلٍ يطغى عليه الحضور الرسمي، يستلمون شيكاتهم ويلتقطون صُوراً للذكرى، ثُمّ ينتهي كلُّ شيء عند تلك اللحظة.

المبلغ المالي، على بساطته، هو أهمُّ ما في الجائزة

إضافةً إلى ذلك، ظلّت معايير الجائزةُ ومصداقيّتُها واستقلاليتُها محلّ تساؤلاتٍ كثيرة؛ إذْ لا يمنعُ قانونُها مِن ترشُّح المؤسَّستَين اللتين تنظّمانها وتختاران أعضاء لجان تحكيمها. وخلال دورتَين متتاليتَين، فاز عملان صدرا عن الدارَين المنظّمتين؛ حيث عادت في 2017 إلى مرزاق بقطاش (1945 - 2021)، عن روايته "المطر يكتب سيرته" الصادرة عن "المؤسَّسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار"، وقبلها، في 2016، عادت إلى سمير قسيمي عن روايته "كتاب الماشاء" الصادرة عن "المؤسَّسة الوطنية للفنون المطبعية".

في حالةِ مرزاق بقطاش، الذي سبق أن ترأسَ لجنةَ تحكيم الجائزة في دورة 2016، بدا الأمرُ تكريماً لاسمٍ روائيّ بارزٍ عن مجمل تجربته الأدبية أكثرَ منه فوزاً بجائزة أدبية شهدت منافسَةً مع كتّاب آخرين، خصوصاً أنّه قال، في تصريحات إعلامية، إنّه لم يعلَم بترشيح عمله إلّا قبل وقت قصير من إعلان النتائج. أمّا في حالة سمير قسيمي، فقد كان الأمرُ أكثر سوءاً؛ إذْ كشف الروائيُّ والناشر كمال قرور، الذي كان ضمن لجنة تحكيم الجائزة خلال تلك الدورة، أنَّ لجنةَ التحكيم اختارت روايةَ "مولى الحيرة" لإسماعيل يبرير، لكنَّ المنظِّمين كانَ لهُم رأيٌ آخر!

كانَ مِن شأنٍ تصريح كهذا، يضرب بمصداقية الجائزة في الصميم، أنْ يدفع القائمين عليها إلى إعادة التفكير في طريقةِ عملها لتكون أكثرَ نزاهةً. غير أنَّ شيئاً من ذلك لم يحدُث؛ إذ استمرَّ توزيعُها على أعمالٍ تراوح بين الجيّدة والمتوسّطة والضعيفة. وخلال حفل دورتها الخامسة، في 2019، قال المُنظّمون إنَّ الجائزة ستعود، ابتداءً من دورتها المقبلة، بشكل وموعدٍ جديدَين. لكن، لم تكُن ثمّةَ دورةٌ مقبلة.

توقّفَت "جائزة آسيا جبّار الكُبرى للرواية" في دورتها الخامسة مِن دون الإعلان عن ذلك، ومِن دون توضيح أسباب هذا التوقُّف الذي بدا غير مفهومٍ بالمرّة؛ خصوصاً أنّها تُنظَّم من قِبل مؤسَّستين تجاريّتَين حكوميّتَين ولا تُعاني مِن مشكلة التمويل، على عكس سابقاتها مِن الجوائز الأدبية المتوقّفة؛ مثل "مالك حدّاد للرواية العربية" التي توقّفت في 2007 بعد أربع دورات فقط، و"جائزة أبوليوس" التي نظّمتها "المكتبة الوطنية" لمرّة واحدة (2008)، خلال تولّي الكاتب أمين الزاوي إدارتها، و"جائزة المكتبيين" التي نُظّمت مرّاتٍ قليلةً على هامش "معرض الجزائر الدولي للكتاب"، وجائزتي "الهاشمي سعيداني للرواية" و"مفدي زكريا المغاربية للشعر" اللتين توقّفتا بعد رحيل مؤسّسهما الطاهر وطّار في 2010.

ظلّت استقلاليتها ونزاهتها محلّ تساؤلات منذ إطلاقها

قبل توقُّفها في 2019، لم تكُن "جائزة آسيا جبّار" تثبت في موعدٍ قارّ؛ فبعد أنْ أُعلنت نتائجُ دورتها الأُولى وسُلّمت جوائزها خلال "معرض الجزائر الدولي للكتاب" في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، مرّت التظاهُرة في السنة التالية مِن دون أنْ يأتي ذكرٌ للجائزة، وسطْ تساؤلاتٍ عمّا إذا كانت قد توقّفت في هذا الوقت القياسي. حينها، قالت "المؤسّسة الوطنية للفنون المطبعية" إنَّ المؤسَّسة الشريكةَ في الجائزة اتّخذَت قرار تأجيل دورتها الثانية مِن دون استشارتها، قبل أن يُعلن وزير الثقافة حينها، عز الدين ميهوبي أنّ الجائزة ستُقام في كانون الثاني/ ديسمبر.

وقبل أيام، أعلنت "المؤسَّسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار" عن إعادة إطلاق الجائزة ابتداءً من العام الحالي، مُبرّرةً، في بيانٍ لها، تعليق ما وصفته بـ"الجائزة الأدبية المرموقة التي تهدف إلى ترقية صناعة الكتاب ومكافأة أفضل الروايات المكتوبة بالعربية والأمازيغية والفرنسية"، بجائحة كورونا التي انتشرت منذ بداية 2020، مضيفةً أنَّ حفل الدورة السادسة سيُقام في الثلاثين من حزيران/ يونيو المقبل؛ وهو يومُ ميلاد آسيا جبّار.

وكشفت المؤسَّسة، في وقت لاحق، عن أعضاء لجنةِ تحكيم الجائزة في دورتها السادسة؛ حيث يترأسُها الأكاديمي والباحث في الأدب الشعبي عبد الحميد بورايو، وتضمُّ في عضويتها كلّاً من الأكاديمية والناقدة أمينة بلعلى، والأكاديمي والباحث عبد الكريم أوزغلة، والشاعرة المترجمة لميس سعيدي، والكاتبة شابحة بن قانة، والكاتب والصحافي حميد عبد القادر، والروائي عبد الوهاب عيساوي.

وقال رئيس الجائزة محمد بلحي، في تصريحات صحافية، إنّ الدورةَ الجديدةَ ستشهد، لأوّل مرّة، الإعلان عن قائمة قصيرة تسبق الإعلان عن الفائز (لم يتحدّث عن قائمة طويلة)، مضيفاً أنّ مؤسّسته "ستُسخّر كلّ الوسائل لجعل الجائزة من أرقى الجوائز على المستوى العربي والدولي، ووفق المعايير الدولية من انضباط وصرامة".



مبرّر غريب

يبدو ربطُ القائمين على "جائزة آسيا جبّار للرواية" تعليقها لسنتَين متتاليتَين بانتشار فيروس كورونا في غاية الغرابة؛ ففي كلّ بلدان العالَم، ألقت الجائحةُ بظلالها على الفعاليات الثقافية، لكنّ الجوائز الأدبية (وغير الأدبية أيضاً) استمرّت بوتيرة عادية. صحيحٌ أنَّ دُور النشر الجزائرية تأثّرت بالوباء؛ حيثُ تراجعت وتيرةُ النشر، لكن ليس إلى الحدّ الذي انعدمت فيه الإصداراتُ التي يمكنها أن تترشّح للجائزة.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون