"آخر البحر".. الجعايبي ممنوعاً عن مسرح "مهرجان الحمّامات"

30 يونيو 2024
من عرضٍ للمسرحية في مهرجان "24 ساعة مسرح دون انقطاع" الذي يُختتم اليوم في تونس العاصمة
+ الخط -
اظهر الملخص
- المسرحية "آخر البحر" للمخرج التونسي الفاضل الجعايبي تواجه المنع من المشاركة في "مهرجان الحمّامات الدولي" بسبب عبارات نابية، وفقاً لمدير المهرجان.
- الجعايبي يندد بالقرار معتبراً إياه تسلطاً للرقابة، بينما ينتقد الأكاديميون والنقاد التونسيون القرار مشيرين إلى فقر في الفهم الثقافي والجمالي.
- رغم الجدل، يُصرّ مدير المهرجان على أن القرار لم يكن لأسباب أخلاقية بل بناءً على توصيات لجنة فنية، مسلطاً الضوء على التحديات التي تواجه الحريات الفنية في تونس.

"إنّ المشكلة الحقيقية في الواقع هي أنّ النّص يحمل عبارات نابية مُخلّة بالأخلاق العامّة"، لهذه الأسباب وغيرها مُنعت مسرحية "آخر البحر" للمُخرج التونسي الفاضل الجعايبي (إنتاج "المسرح الوطني التونسي" و"مركز الفنون" في جربة)؛ وفقاً للبيان الذي أصدره مُخرج العمل، ويتناول فيه تفاصيل منع العرض من المشاركة في الدورة الثامنة والخمسين من "مهرجان الحمّامات الدولي" في المدينة الواقعة شمالي شرق تونس، والتي تنطلق الجمعة المُقبل وتستمرّ حتى الثالث من آب/ أغسطس المُقبل.

وقد جاء في البيان أنه "بعد قبول اللّجنة المكلّفة بانتقاء واختيار الأعمال المسرحيّة للدّورة الثامنة والخمسين لـ'مهرجان الحمّامات'، قام مدير المهرجان نجيب الكسراوي، بطلب النصّ من 'مدير المسرح الوطني' الذي رفض أن يزوّده به واقترح عليه حضور عرض من عروض المسرحية".

وأوضح الجعايبي أنّ "مدير المهرجان حضَر العرض مصحوباً بمديره الفنّي، وبعد ذلك اتّصل بمدير المسرح وفاجأه بأنّ الظّروف المادّية للمهرجان لم تعُد تسمح له ببرمجة المسرحيّة، فتنازل مدير المسرح الوطني عن الاتّفاق الأوّل وقَبِل التّخفيض في سعر العرض، ليجيبه مدير المهرجان بأنّ المشكلة الحقيقية هي العبارات النابية المُخلّة بالأخلاق العامّة". 

ندّد المخرج التونسي بالتّلاعب والتّراجع، مؤكّداً أنّ سبب المنع هو تسلّط الرقابة

ويتابع المخرج التونسي في بيانه سرد التفاصيل التي عقبت عملية المنع، حيث اتّصل بمدير "المسرح الوطني" وطالبه بمُمارسة واجبه باعتباره منتج العمل، فأخبره الأخير أنّه قرّر إرسال تقرير إلى الوزير المكلّف بالشّؤون الثّقافيّة، يعترض فيه على التّصرّفات الغريبة لمدير المهرجان وتحوّلاتها، ويندّد بالتّلاعب والتّراجع، مؤكّداً أنّ السّبب الحقيقي هو تسليط الرقابة على عمل فنّي، ولكنّ ردّاً رسمياً لم يصل حتى الآن من طرف مدير المسرح الوطني، الذي "أصرّ على الصّمت متعلّلاً بواجب التّحفُّظ بل وأضاف في مكالمة هاتفية أنّ مسألة الرّقابة لا علم له بها ولا علاقة لنظيره بالحمّامات بها، وأنّ كلّ ما في الأمر هي تخمينات شخصيّة"، وفقاً للبيان.

وكان خبر منع العرض الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي قد أثار ردّات فعل مندِّدة، حيث كتب الأكاديمي والناقد المسرحي التونسي عبد الحليم المسعودي في حسابه على فيسبوك: "العقل الثقافوي الذي يمارس الرقابة على مسرحية 'آخر البحر' للفاضل الجعايبي، ويحرمها من المشاركة في برنامج مهرجان الحمّامات الدولي بتعلّات أخلاقوية لا يستأهل أن يكون مسؤولاً عن الشأن الثقافي في مؤسّسة ثقافية بحجم المركز الدولي المتوسّطي للحمّامات، ولا أظنّ أنّ هذا 'العقل' يفقه شيئاً في المسرح التونسي، أو في تاريخه الإبداعي والنضالي، أو في فاعلية العلاقة بين المسرح وجمهوره"، مُضيفاً أنّ القرار "يُبرهن عن تلك البذاءة الذهنية الرسوبية والنكوص الارتدادي المتخفّي باسم الأخلاقوي على حساب بناء الوعي العامّ نقدياً وتفكيكياً عبر الفنّ الجادّ، وعن ذلك الفقر المُدقع لفهم التحوُّلات الفكرية والجمالية التي تعيشها تونس منذ الثورة".

وكان كلام المسعودي قد أثار تفاعُلاً واسعاً؛ حيث جرت مشاركتُه والتعليق عليه بشكل لافت، خصوصاً من قِبل مشتغلين في مجال المسرح، أجمع كثيرٌ منهم على التنديد بالمنع، بينما قال بعضهم إنّه تعرّض لتجربة مماثلة.

وردّاً على ذلك، كان مدير المهرجان، نجيب الكسرواي، قد صرّح إنّ كلّ ما قيل ويُقال عن منع المسرحية من المشاركة لا أساس له من الصحّة، موضّحاً في تصريح لوكالة الأنباء التونسية إنّ "المسرح الوطني" رشّح عملَين؛ هُما "آخر البحر" لفاضل الجعايبي، و"رقصة سماء" لطاهر عيسى بالعربي، فجرى اختيار الثانية "تكريماً للفنّانة منى نور الدين (مواليد 1939) التي تُشارك فيها، والتي كانت من بين المشاركين في العرض الافتتاحي للدورة التأسيسية عام 1964".

ورفض الكسراوي اتّهام المهرجان باستبعاد المسرحية "لأسباب أخلاقية"، قائلاً: "نحن بعيدون عن هذه الممارسة، وبرمجة الأعمال الفنّية لا تتمّ وفق أهواء مدير المهرجان، بل تنطلق من الرأي الاستشاري للجنة الفنّية وقرار الهيئة المديرة".

يذكر أنّ فعاليات الدورة الثامنة والخمسين من "مهرجان الحمّامات الدولي" تنطلق في الخامس من الشهر الجاري، وفق ما أعلنه المنظّمون، وذلك مع مرور ستّين عاماً على افتتاح مسرح الهواء الطلق في "المركز الثقافي الدولي" بالمدينة، الذي شهد انطلاق الدورة الأُولى بعرض لمسرحية "عطيل" لشكسبير في الحادي والثلاثين من يوليو/ تموز 1964.

لا شكّ في أنّ شعار انتصار المهرجان للفنّ الرابع سيوضع هذه الدورة محلّ تساؤل، لا سيما بعد منع المنظمين مسرحية "آخر البحر" للمُخرج التونسي.

يُذكَر أنّ "آخر البحر"، التي عُرضت لأوّل مرّة في يناير/ كانون الثاني الماضي، هي خامس مسرحية يُقدّمها فاضل الجعايبي (1945) بعد الثورة التونسية، وهي استكمالٌ لمسرحياته الأربعة: "تسونامي" (2013) و"العنف" (2015) و"الخوف" (2016) و"مارتير" (2020)، التي يتناول فيها الواقع التونسي بعد 2011. في ثلاث ساعات، تروي المسرحية، المقتبسة من أسطورة ميديا الإغريقية، قصّة امرأة يمنية يدفعها البحث عن حياة أفضل لمغادرة اليمن إلى تونس، باعتبارها بلداً يتمتّع بالحقوق والحريات واحترام المرأة، لكنها تواجه فيه واقعاً لا يقلّ سوءاً عن ذلك الذي تركته وراءها.

المساهمون