على الأرجح، فإنَّ "معرض الجزائر الدولي للكتاب"، الذي جرت العادةُ أنْ تُنظَّم دوراتُه بين نهاية تشرين الأوّل/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر مِن كلّ سنةٍ، لن يُقام هذا العام. بذلك، سيغيب "أبرز حدثٍ ثقافي" في الجزائر للسنة الثانية على التوالي للسبب نفسه: جائحة كورونا.
يبدو الأمرُ متوقَّعاً بما أنَّ الوباء لم يختفِ بعدُ. لكنَّ اللافتَ في القصّةِ هو حالةُ الصمتِ، وربّما التجاهُل، التي يتعامَل بها القائمون على قطاع الثقافة في البلاد مع الموضوع؛ حتّى لَيبدو أنَّ الأمرَ يتعلَّق بأمرٍ غير موجودٍ مِن الأساس، أو شيء لا يفتقدُه أحد، وليس معَ تظاهُرةٍ بارزة يترُك غيابُها فراغاً كبيراً في المشهد الثقافي، ويتسبَّب بخسائر فادحة للناشرين.
لعلَّ آخر تصريحٍ رسميّ حول المعرض هو ذلك الذي أدلَت به وزيرة الثقافة السابقة، مليكة بن دودة، مطلعَ نيسان/ إبريل الماضي، وهي تُعيد افتتاح مقرّ "المكتبة الوطنية" السابقِ في مدينة الجزائر، والذي وعدَت فيه بتنظيم الدورة الخامسة والعشرين مِن المعرض، الذي انطلق عام 1996، في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبِل، قبل أنْ تُضيف بأنّه سيستمرُّ، وعلى غير العادة، لأكثر مِن عشرة أيّام، وسيتضمَّن "برنامجاً ثقافياً ثريّاً ولقاءاتٍ دوليةً في مستوى هذا الحدث الكبير".
تظاهُرة بارزة يترك غيابُها فراغاً كبيراً في المشهد الثقافي
غادرَت بن دودة منصبَها في حزيران/ يونيو الماضي ضمن تعديلٍ حكومي، مِن دون أنْ تُخبرنا إلى أينَ وصلت التحضيراتُ لإقامة المعرض و"برنامجه الثقافي الثري"، وحلَّت محلَّها وزيرةٌ مُتقشّفةٌ في الحديث إلى وسائل الإعلام. كانَ آخر ظهورٍ لوفاء شعلال، يومَ الخميس الماضي، خلال افتتاحِ ما سمَّته وزارتُها "موسماً ثقافياً جديداً" (ليس واضحاً ما يعنيه ذلك بالضبط). وفيه تحدَّثت عن آثار جائحة كورونا "القاسية جدّاً على الفنّانين وعلى الحركية الثقافية والمؤسَّسات" وعن "أهمية الثقافة في الوقوف في وجه الدسائس المدبَّرة التي تستهدف وحدة الجزائريّين وسيادتهم والتشكيك في تاريخهم وإسهاماتهم في الحضارة الإنسانية"... لكنّها لم تُشِر إلى المعرض منِ قريب ولا مِن بعيد.
هكذا، وبينما تشهد معارضُ الكتابِ عودةً في بعض العواصم العربية والأجنبية، تجاهَلت الوزيرةُ تماماً الحديثَ عن "معرض الجزائر الدولي للكتاب"؛ فلا هي وعدت بتنظيمه في موعده مع اتّخاذ التدابير الوقائية اللازمة للحدّ مِن انتشار فيروس كوفيد 19 (تُسجِّل الجزائر قرابة مئة إصابةٍ جديدة في اليوم)، ولا هي أعلنَت عن تأجليه أيضاً.
بسبب الوباء، جرى تأجيلُ الدورة الخامسة والعشرين بعدَ دورة 2019 التي شهدت مشاركة قرابة ألف دار نشر مِن ستّة وثلاثين بلداً، وحُضور أكثر من مليون زائر حسب الأرقام الرسمية. غيرَ أنَّ وزارة الثقافة، أعلنت في آب/ أغسطس 2020 أنَّ المعرض لن يغيب تماماً، بل سيُقام في موعده بشكلٍ افتراضي، لكنَّ ذلك لم يحدُث... وكالعادة، لم يُكلّف المعنيّون أنفسَهم عناءَ توضيح أسباب إلغاء ما كان ليكونَ "معرضاً افتراضياً للكتاب".
في الأثناء، أُقيمت بعضُ المعارِض التي حاولَت سدّ الفراغ الذي خلّفه "معرض الجزائر الدولي للكتاب"؛ مِن بينها "معرض الجزائر تقرأ" الافتراضي الذي أقامته دار "الجزائر تقرأ" في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، و"الصالون الوطني للكتاب" الذي نظّمته "المنظّمة الوطنية لناشري الكتب" في آذار/ مارس الماضي.
أن تأتي متأخّراً...
بعد يومَين مِن كتابة المقال، نقلت جريدة "الشروق" الجزائرية عن مدير "معرض الجزائر الدولي للكتاب"، حكيم ميلود، قوله إنَّ الدورة المقبلة ستُقام بين السادس والخامس عشر من كانون الأوّل/ يناير المقبِل، مُضيفاً أنَّ هذا التاريخ يأخذ بعين الاعتبار "خارطة معارض الكتاب الدولية"، مِن دون أنْ يوضّح إنْ كان سيُعتمَد موعداً قارّاً لتنظيم التظاهُرة في السنوات المقبلة. لا نعرف، أيضاً، إنْ كان علينا أخذُ هذا التصريح على محمل الجدّ، بما أنَّ وعوداً كثيرة سابقة - أشرنا إلى بعضها في المقال – لم ترَ النور.