"مجلّة الفلسفة": هل تفكّر المُسلسلات التلفزيونية؟

24 أكتوبر 2022
أمام الشاشة، في غوادلوب، 2018 (Getty)
+ الخط -

مَن كان يتوقّع أن تتحوّل المسلسلات التلفزيونية إلى موضوع يبحث فيه الفلاسفة؟ الأكيد أن الأمر لم يكن في حسبان الفلاسفة حتى نهايات القرن الماضي؛ بل إن السينما نفسها، التي تنتمي فعلياً إلى الفن ــ لا إلى التسلية، التي تُحسَب عليها المسلسلات عادةً ــ، والتي فاق عمرها القرن من الزمن، احتاجت لعقود من الزمن حتى يجري "قبولُها" كثيمة يمكن التفكير فيها فلسفياً وقول شيء انطلاقاً منها.

على أن الأمر تغيّر في السنوات القليلة الماضية، مع صعود نجم المسلسلات التلفزيوينية في العالم الغربي، وتوفّرها بكثافة، ووصولها إلى شريحة أكبر من المتابعين عبر منصّات العرض المتزايدة، وهو ما جعلها عنصراً يساهم في إثارة نقاشات الرأي العام وإبداء الرأي فيها، ما دفع عدداً من المفكّرين إلى مقاربتها بعدّة تحليلية وفلسفية، كما فعلت، في فرنسا، الأكاديمية وأستاذة الفلسفة ساندرا لوجييه في كتاب أصدرته عام 2019 بعنوان "حياتنا في حلقات: فلسفةُ وأخلاق الثقافة الشعبية".

تُخصّص "مجلّة الفلسفة الدولية"، التي تصدر في باريس، عددها الفصليّ الثالث لعام 2022 لنقاش المسلسلات من وجهة نظر فكرية، وذلك في ملفّ بعنوان "هل تفكّر المُسلسلات التلفزيونية؟"، والذي حرّرته وأشرفت عليه لوجييه بالاشتراك مع الباحث هنري دو مونفالييه.

ولا يتجنّب المحرّران، في مقدّمة العدد التي كتباها، التعريج على إمكانية أن يشكّل تناوُل المسلسلات في مجلّة فلسفية مفاجأةً لبعض القرّاء، الذين قد يتساءلون إن كانت الدراما التلفزيونية أمراً جادّاً بما يكفي لتحليله فكرياً، قائلان إن هذه الإنتاجات تشكّل موضوعاً "شرعياً" للتفكير الفلسفي، باعتبارها وسيلة تعبّر من خلالها الثقافة الشعبية عن آراء في قضايا أساسية، وهو ما يستدعي أن تنزل الفلسفة من برجها العاجيّ لتدرس هذه الإنتاجات انطلاقاً من دورها في الحياة اليومية.

مجلة الفلسفة

من هذا الباب تدخل لوجييه النقاش في مقالها بالعدد، والذي يحمل عنوان "المسلسلات التلفزيونية وجماليات العاديّ"، حيث ترى أن المسلسلات الشعبية ــ حالها كحال السينما سابقاً، وحالها كحال مجمل إنتاجات الثقافة الشعبية ــ تُساهم في تشكيل الذوات، ومن بينها ذوات الفلاسفة، الذين يتشاركون في عملية مشاهدة المسلسلات مع عموم الناس، وهو ما يتطلّب، بحسبها، إعادة تفكير بفعل التفلسف. إعادةُ تفكيرٍ تقوم بها بالاستناد إلى أطروحات الفيلسوف الأميركي ستانلي كافل.

ويشمل العدد أيضاً العديد من المقالات، مثل "المسلسلات التلفزيونية: مخبر للفلسفة الأخلاقية؟" للباحثة ماريان شايان، التي تتوقّف عند النحو الذي يناقش من خلاله المخرجون وكتّاب السيناريو مسائل وجودية مثل الحياة والموت والحبّ وغيرها، والطريقة التي تقوم من خلالها المسلسلات بأخذ هذه النقاشات إلى محاججات أخلاقية جديدة. 

كما يضمّ العدد مقالاً للباحث هوغو كليمو ينظر فيه إلى مسلسل "شرلوك" (هولمز)، الذي بثّته "بي بي سي" عام 2010، بوصفه تحقيقاً فلسفياً، في حين يتناول باحثون آخرون مسلسلاتٍ مثل "مكتب الأساطير" الفرنسي، ورؤيته إلى عالَم معقّد على الصعيد الجيو ـ سياسي، أو مثل "ميامي فايس"، الذي عُرض بين منتصف الثمانينيات ونهايتها على قناة "إن بي سي" وشكّل، بحسب الباحث هنري دو مونفالييه، لحظة مفصلية في طريقة تعاطي الفنّ البصري السردي مع الحبكة البوليسية.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون