"ما بين جزيرتين": البحرين ذاكرة اللؤلؤ والمنفى

31 مارس 2021
جزء من أحد أعمال فاطمة الفنار المرافقة للكُتيّب
+ الخط -

ثلاثة أشهر تقريباً تفصل بين بدء ورشة الكتابة الشعرية، "ما بين جزيرتين"، الموجّهة للمهاجرين البحرينيين في المملكة المتّحدة، وبين إصدار القائمين على الورشة، والمشاركين فيها، كتيّباً أنطولوجياً يضمّ النصوص التي تمخّضت عنها. يشتمل الكتيّب، الذي يحمل أيضاً عنوانَ "ما بين جزيرتين"، سبعة عشر نصّاً شعريّاً يحمل ثلاثة عشر توقيعاً مختلفاً، وتزيّن غلافَه وصفحاته رسوماتٌ للفنّانة فاطمة الفنار. 

وكما كان الحال مع جلسات الورشة، التي عُقدت جميعُها عبر تطبيق "زووم"، بسبب جائحة كورونا وما تقتضيه من إجراءات عزْل وتباعد، فإنّ إطلاق منتَج المشاركين في الورشة جرى عبر التطبيق ذاته، مساء السبت الماضي، بحضور الشاعر البحريني الشاب علي الجمري، منظّم الورشة، وأمينة العتيق، الناشطة والمؤدية اليمنية الشابة المقيمة في المملكة المتّحدة التي رافقته في هذه المهمّة، إضافة إلى المشاركين.

كان إطلاق الورشة، مطلع كانون الثاني/ يناير الماضي، محمّلاً بالأسئلة حول معنى الاغتراب، ومعنى أن يكون المرء عربيّاً وبحرينياً في المملكة المتّحدة، وحول تأثير الهجرة، واللغة والثقافة المختلفتين، على العلاقة بالوطن. نعثر، في أنطولوجيا "ما بين جزيرتين"، على أجوبة عن بعض من هذه الأسئلة، لكننا نعثر أيضاً على أسئلة تبقى مفتوحةً، وأخرى يبدو أنّها رأت النور خلال جلسات الورشة. أسئلة عن الوطن واللغة، بالتأكيد، لكنْ أيضاً عن الهويّة، والانتماء، ومفردات الثقافة، وعن الحبّ والموروث الذي تتركه لنا بلادنا، وعن المستقبل.

نصوصٌ بالإنكليزية والعربية، وأخرى تجمع بين اللغتين

يضمّ الكتيّب نصوصاً متفاوتة المستوى، وهو ما يشفّ عن تفاوت خبرات المشاركين في الورشة على مستوى الكتابة: فمنهم مَن كان يكتب الشعر قبل مشاركته فيها، ومِنهم مَن يقارِب عوالم القصيدة للمرّة الأولى. كُتبت هذه النصوص بالإنكليزية (وهي الأغلب) والعربية، وقد شاء القائمون على الورشة ــ كما أشار إلى ذلك علي الجمري في كلمته التقديمية ــ ألّا يترجموها من لغةٍ أُخرى، "فنحن لسنا هنا لنشرح، بل لنعبّر عن أنفسِنا"، بحسب قوله.

لكنّ الترجمة، بمعنى ما، أو حضور لغةٍ داخل أخرى بالأحرى، ولا سيّما حضور العربية في النصّ الإنكليزي، تتكرّر في العديد من النصوص السبعة عشر، أو، على العكس، يمكن النظر إلى حضور كلمات عربية، مثل "رموز" و"موطني"، على سبيل المثال، داخل نصوصٍ مكتوبة بالإنكليزية، باعتباره استحالةً لترجمة ما تحمله هذه الكلمات من معانٍ لدى مَن يكتبها؛ معانٍ متجذّرة في تربة تجربته الشخصية ومحيطه الثقافي. بل إنّ نصّاً لفاطمة الحلواجي، يحمل عنوان "لعِب"، يمزج بين العربية والإنكليزية، بحيث تتعاون اللّغتان على حمْل ذاكرة الكاتبة، المراوحة بين ماضيها البحريني وعناصره، وحاضرها الغربيّ وأسئلته.

لكنْ، رغم التنوّع في أجواء النصوص، والتنوّع في الآفاق التي تتطلّع إليها، إلّا أنّ القارئ يلتقط العديد من الخيوط والثيمات التي لا تكاد تفارق أغلبها، والمرتبطة بشكل وثيق بوضع البحرين سياسياً، بثقافته (اللؤلؤ، الغوص، النخيل، على سبيل المثال) أو بحال المشتركين، البعيدين عن أرضهم (الوطن، المنفى، الحنين).

المساهمون