"روسيا في البحر الأبيض المتوسط": إضاءة تاريخية

21 ديسمبر 2021
(كاترين الثانية)
+ الخط -

يمثّل اندفاع روسيا نحو منطقة "الشرق الأوسط" في الأعوام الأخيرة حافزًا لتقصي دوافعها وأهدافها والسعي لفهم خلفياتها؛ ذلك أنّ فهم الدور الروسي الراهن يتطلب العودة إلى تاريخ السياسة الروسية التي كان توجهها نحو الجنوب، بغية الوصول إلى "المياه الدافئة". وهو الأمر الذي حرك صناع القرار في الإمبراطورية، منذ عهد بطرس الأكبر، مرورًا بكاترينا الثانية وورثتها، وخلال الحقبة السوفييتية، وصولًا إلى حكم بوتين. 

ضمن سلسلة "ترجمان"، صدر مؤخرًا عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب بعنوان "روسيا في البحر الأبيض المتوسط: حملة كاترينا العظمى في الأرخبيل"، وهو من تأليف كل من: إيرينا ميخايلوفنا سميليانسكايا وميخائيل برونيسلافيتش فيليجيف ويليينا بوريسوفنا سميليانسكايا، بإشراف إيرينا ميخايلوفنا سميليانسكايا. 

نقل العمل إلى العربية محمد موسى دياب وجمال كمال القرى، وراجعه بسام مقداد يؤكّد الكتاب بأنه رغم أن الأحداث التي يتناولها تعود إلى 250 عامًا مضت، فإنها تكتسي أهمية كبيرة؛ فهي تكشف عن جوانب جديدة في تاريخ المنطقة ونظم الحكم فيها وتحالفاتها وصراعاتها.

نقرأ من التقديم: "نقترح على القارئ عند قراءة هذا الكتاب - الذي يتناول أحداث مئتين وخمسين عامًا مضت - أن يعقد بنفسه المقارنة بين تلك الأحداث وأعمال روسيا الأخرى في شرق البحر المتوسط إبان القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين، حتى إبان القرن الحادي والعشرين. وبالفعل، ليس من الصعب تلمّس التشابه، ليس في خطط السياسيين والعسكريين خلال عصور مختلفة، بل رؤية التذمّر بشأن الآمال المتبدّدة والاتهامات في حق الحلفاء الدينيين والفكريين المتقلبين".

لم تكن الإمبراطورة الروسية كاترينا الثانية (1762 - 1796) أول حاكم روسي يعمل على إقامة منطقة نفوذ، حينما خططت لدخول أسطولها البحر المتوسط. ففي مطلع القرن الثامن عشر، خطط بطرس الأول لدخول البلقان بدعم من سكانه الأرثوذكس من اليونانيين والسلافيين، بيد أن حملته باءت بالفشل في عام 1711؛ وبهذا، تكون كاترينا قد عملت على إحياء فكرة سلفها على العرش الروسي. 

كتاب روسيا

ولم يكن النجاح التكتيكي الذي حققته في حرب عام 1768 مع الإمبراطورية العثمانية وحده المهم بالنسبة إليها، بل إنها كانت تنظر إلى الحضور العسكري في حوض البحر المتوسط، بوصفه جزءًا لا يتجزأ من السياسة الكبرى التي يمكن أن تنهجها دولةٌ عظمى كالإمبراطورية الروسية. فقد كانت تلك المنطقة عصرذاك "مركزًا للعالم"، تتقاطع فيه أهم المصالح التجارية والسياسية. ولذا، فإن غياب روسيا عن هذا المركز كان سيحكم عليها بالبقاء إمبراطوريةً طرفية.

تمكنت روسيا من الإخلال بموازين القوى القائمة في منطقة البحر المتوسط، بفضل النجاحات التي حققتها ضد الأسطول التركي في عام 1770، والإعلان عن تطلعها إلى الحصول على حصتها من "الكعكة المتوسطية"، وترسيخ أقدامها لفترة طويلة هناك، وإشهار وضعها الجديد بوصفها قوةً عظمى بحرية.

يوضّح الكتاب أيضًا بأن المسافة الطويلة التي تفصل شرق البحر المتوسط عن الحدود الروسية، وعدم وضوح أسباب الدخول الروسي إلى هذه المنطقة وأهدافها بالنسبة إلى المواطن العادي، استوجبا دائمًا الشروع بالحرب الكلامية والقيام بنشاطات دعائية، مع الاستعراض الرمزي "لرسالة روسيا التحريرية" ضد "البرابرة"، بالتزامن مع اندلاع الأعمال القتالية.

المساهمون