"داريوش شايغان" لخديجة زتيلي: في معالجة الفوات التاريخي

11 أكتوبر 2020
شايغان في 2013
+ الخط -

في سنوات سابقة، قدّمت الباحثة الجزائرية خديجة زتيلي أعمالاً تقدّم للقارئ العربي أسماء أساسية من الفكر الغربي، كم هو الحال في كتابيها: "أفلاطون: المعرفة، السياسة، المرأة" (2011)، و"كروتشه والنزعة التاريخية المطلقة" (2016).

تواصل زتيلي النهج نفسه في عملها الأخير "داريوش شايغان: الأصنام الذهنيّة، الفوات التاريخي، النفس المبتورة" (فضاءات، 2020)، لكنها تلتفت هذه المرة شرقاً مع مفكّر إيراني (1935 - 2018) عُرف بمؤلّفات مرجعية في فهم العلاقة المعقّدة بين الذات والآخر، وضمنها العلاقات المتوتّرة بين الشرق والغرب، مثل: "'الأصنام الذهنيّة والذاكرة الأزليّة''، و''أوهام الهويّة'"، و"هويّة بأربعين وجهاً''، و''النفس المبتورة: هاجس الغرب في مجتمعاتنا''.

يضمّ الكتاب ثلاث مقالات عن فكر شايغان تناقش جملة من القضايا الحسّاسة التي طرحها في كتبه. وتتمحور تلك القضايا في التنبيه إلى ضرورة العدول عن مكافحة الذاكرة الأزليّة والتصالح معها. في حديث إلى "العربي الجديد"، تقول الباحثة الجزائرية إنَّ لتلك القضايا "رسائلها الروحيّة والشاعرية والعرفانية في الشرق والعالم الإسلامي لا يجب الاستهانة بها، فهي مستودع المكنونات وتحتوي على كنوز روحية ليست لها أي صلة بـ''أصنام الذهن'' التي حاربها فرانسيس بيكون، فمن دون الالتفات إلى الذاكرة الأزليّة لا يمكن تفعيل حوار الحضارات".

تضيف: "اليوم، وصل الصراع الموجود في العالم الإسلامي ضدّ الغرب والحداثة إلى ذروته في ما يتعلّق بالهويّة الثقافيّة والدينيّة، وقد نتجت عنه ارتجاجات في العقل الإسلامي الذي راح يقاوم الحداثة بحلول تصل إلى حدّ التناقض، فيعود تارة إلى أسطوريّة الأصول باحثاً عن مخارج نجاة، وتارة أُخرى يهرب إلى الأمام لخوض غمار تجارب جديدة، مشيحاً بوجهه عن منجزات الحداثة، وتُعدّ تلك الحلول في مجملها غير موفّقة لأنّ ظاهرة الحداثة لم يتم استيعابها في دلالاتها الفلسفيّة وإنّما تمّ إضفاء لبوس أخلاقية عليها أبقت الوعي في العالم الإسلامي قابعاً في تهويماته القديمة والحديثة على حدّ سواء، فقد تسبّب ذلك التمزّق في جملة من الاختلالات الذهنيّة جعلت نظرتنا إلى أنفسنا قاصرة وتصوّراتنا للعالم مبتورة".  

ترى زتيلي أنه "لا يمكن حلّ تلك التمزّقات من دون توليفة عميقة ومنسجمة بين عالم الروح وعالم العقل وتقويض مشروع الهويّة النقيّة أو الخالصة"، وهنا تستند إلى شايغان الذي أطلق على الوعي الهجين الذي يطمح  إليه اسم ''الهويات الحدودية''، وهي "مساحة للاختلاط تلتقي فيها الثقافات المختلفة ويسقط معها كلّ تطرّف أو مركزية"، بحسب توضيح زتيلي.

شايغان - خديجة زتيلي - العربي الجديد

وحول أسباب توجّهها إلى شايغان، تقول محدّثتنا: "تركت نصوص شايغان في نفسي أثراً بالغاً، لأنّها عميقة وجريئة في مواجهة الذات، وخاصّة الإسلامية التي انتهى بها الفوات التاريخي إلى إشكاليات حضاريّة معقّدة، وتزداد تعقيداً في زمننا المعاصر. إنّه يواجهنا بالحجج التي تأتي صياغتها بعبارات دقيقة ومصطلحات منحوتة بعناية فائقة، ولا ينحاز في تحليله إلّا للعقل والمنطق والإنسان بصرف النظر عن انتماءاته المختلفة. فلطالما احترمتُ هؤلاء الذين يراوحون بين المحليّة والكونيّة ويقدّرانهما معا".

تضيف زتيلي في ختام حديثها إلى "العربي الجديد": "تفيد كتب شايغان في فهم وضعيتنا في العالم العربي والإسلامي ومكانتنا في الزمن الراهن، فمعرفته العميقة بثقافات الشرق والغرب على حدّ سواء وباللغات جعله يتمتّع بحس نقدي رفيع وبإنسانية لا حدود لمداها، فكان جهده بحثاً عن حلول ممكنة تعالج الفوات التاريخي الذي تعاني منه الحضارات غير الغربيّة عموماً".

المساهمون