"بحيرة المتوسط".. رهاب الغرباء وباحثون عن المشترك

06 يونيو 2022
جانب من فعاليات المهرجان (العربي الجديد)
+ الخط -

تتوسَّط خريطة البحر الأبيض المتوسِّط فناء "قصر الثقافة"، في مدينة كاتانيا بجزيرة صقلية الإيطالية، وهي خريطة حديثة مصقولة يُطالعها ضيوف وزوَّار "مهرجان مواطني المتوسِّط" الذي افتُتح الأربعاء الماضي ويُختتم اليوم، مثلما يرغبون في نقاش ثقافي مُعاصر، وفي معلَم عريق كان لعائلة بلاتامون الشهيرة في كاتانيا إبّان القرن الخامس عشر، قبل أن يتحوّل إلى قصر ثقافة.

يتقاسم قصر الثقافة حيّزان؛ الأوّل مفتوح للأنشطة الفنية التي لا تتّسع لها القاعات، والثاني قاعات عرض الفنون التشكيلية والسينما والمحاضرات.

وفي اليومين الأولين من "مهرجان مواطني المتوسّط" سيطرت النقاشات بعدّة لُغات يتحدّث بها شعوب هذا البحر الذي سمعنا غير مرّة وَصفه بـ "البحيرة"، أو "بحر الجبال"، بهدف الاقتراب أكبر قدر ممكن من هويّة عابرة للقوميات تستند إلى تراث ثقافي ومادي مشترك من التبادل اللغوي والأدبي والثقافي، والعلاقات الاقتصادية والسياسية والمصالح والتحدّيات المُشتركة على جانبي البحر.

كانت الجلسة الافتتاحية بعنوان: "الاحتفاء بالمواطنة" حضرها أسقُف مدينة كاتانيا لويجي رنّه، مُتحدّثاً عن تراث الحوار الثقافي في منطقة المتوسط، مُشيراً إلى أنّ الإمبراطور فردريك الثاني الذي أوقف الحملات الصليبية عمل على نقل الثقافة العربية إلى أوروبا.

مصالح شركات السلاح والأنظمة السلطوية مزّقت المتوسط

يمكن لأي أفكار إيجابية أن تستحضر نماذج تدلّل عليها. غير أنّ التاريخ المعاصر يحتاج إلى المُكاشفة أكثر، وهذا ما بدأه الكاتب والصحافي المصري خالد منصور حين تحدّث عن أنّ الفضاء الثقافي المتوسطي المشترك يعاني كثيراً من التناقضات، كوجود نظام فصل عنصري ضمنَه اسمه "إسرائيل"، وأنّ الفضاء المتوسّطي ممزّق ليس على أساس قومي، لكنّ بسبب مصالح بعض المؤسّسات الكبرى كشركات السلاح الفرنسية وشركات النفط، والأنظمة السياسية التي تستفيد من الصراعات في المنطقة ومن الأنظمة السلطوية، على حد قوله.

من مهرجان مواطني البحر المتوسط - القسم الثقافي

الناشطة المصرية إسراء عبد الفتاح من ناحيتها تناولت التفاوت الكبير في الحصول على الحقوق بين شمال وجنوب المتوسّط وأثر ذلك على الانقسام بين الشعوب. أمّا المؤرّخ البريطاني داوود أبو العافية فقال: "إنّ المتوسّط كان مجالاً لصراعات وحروب كثيرة، لكنّ المصالح المُشتركة التجارية بين شعوبه حافظت على نوع من الوحدة الكامنة - الفضاء المشترك".

وذهب المغنّي الإيطالي موني عوفاديا إلى أثر العرب والعربية في تطوّر الموسيقى الصقلّية وقال: "إنّ هذا التاريخ الثقافي المشترك يجعلنا نحلم باتّحاد المتوسّط حتى وإن كان يبدو ذلك حلماً بعيد المنال". هذه النقاشات الدائرة في الصالة الرئيسية من القصر كان يوثّقها رسام الكاريكاتير اليوناني يورغوس كونستانتينو وتبثّ مباشرةً على شاشة العرض.

الصحافة في المتوسط

تناول الكاتب والإعلامي المصري بلال فضل أهمية وجود وسائل إعلام مستقلّة من خلال تمويل جماهيري. وقال: "إنّ الموقف الأوروبي من الأنظمة السُّلطوية التي تضطهد الصحافيين 'مخزٍ'، إذ إنّ ما يهمّها هو مصالحها مع تلك الأنظمة، وعليها إذا كانت غير قادرة على التضحية بتلك المصالح من أجل حقوق الإنسان أن تعترف بذلك، وأن تكفّ عن النفاق" وفق ما قال.

وفي حقل الصحافة أيضاً يأخذنا الإعلامي اليوناني كوستاس زافيروبولس إلى هيمنة الأوليغارشيا اليونانية على وسائل الإعلام وصولاً إلى توجيه التهديدات المباشرة للصحافيّين المستقلّين الذين يحاولون كشف فساد تلك النُّخبة. وقد تعرّض الصحافي جيورجس كارايفاس للاغتيال بسبب تناوُله للانتهاكات المتكرّرة والفساد الذي تمارسه الشرطة اليونانية.

الصحافي صخر الماخذي في "الجزيرة بلس" تحدّث عن اغتيال الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة والاستهداف الممنهج للصحافيين من قبل الاحتلال الإسرائيلي بهدف طمس الحقيقة، مُشيراً إلى تصريح من الجيش الإسرائيلي بأنّ شيرين كانت مسلّحة بالكاميرا، مؤكّداً على أهمية التضامن بين الصحافيين في مواجهة الأخطار والتهديدات التي يتعرضون لها.

من مهرجان مواطنو البحر المتوسط - القسم الثقافي

الهجرة

تناولت جلسة أُخرى "الهجرة غير الشرعِية" أو في أحد تعديلاتها "الهجرة غير النظامية"، وكيف ينظر الاتحاد الأوروبي إلى البحر المتوسط في هذا السياق بوصفه بؤرةَ توتّر، ومصالح سياسية وأوراق ضغط. لكنّه بالنسبة إلى ألبرتو هوريست ندهاردت الباحث في "مركز السياسة الأوروبية" فإنّه يتحدّث عن مبادرات "المفوّضية الأوروبية" لحلّ "الهجرة غير الشرعية"؛ منها عمل منصّة رقمية يتقدّم عبرها المهاجرون للعمل في أوروبا بشكل رسمي، مُشيراً إلى مشكلات تنشأ بين المفوّضية الأوروبية والدول الأعضاء، التي تتعامل مع القضية وفقاً لمصالح كلّ دولة.

التفاوت الحقوقي بين شمال وجنوب المتوسّط أثّر على الشعوب

وقالت إيميل كورما الناشطة التركية المقيمة في هلسنكي: "إنّ مسألة الهجرة تحتاج إلى حوار مجتمعي لتحقيق تغيير ثقافي، لافتة إلى أنّ الثقافات القومية والخلافات الدينية التاريخية تؤدّي إلى رُهاب الغرباء، وبالتالي نبذ المهاجرين". أما داريو برويتي الحقوقي الايطالي فقال: "إنّ أوروبا تتعامل مع المهاجرين بمنطق السوق والمصالح الاقتصادية بما يجعلها عاجزة عن التعامُل معه بشكل إنساني". وفي ذات السياق تحدّث الحقوقي الإيطالي جيانفرانكو شيوفوني عن الحاجة إلى وضع إطار قانوني للمهاجرين، لأنّ افتقاد المُهاجر غير الشرعي للتكييف القانوني يؤدّي إلى فقدان سائر الحقوق المترتّبة على الهوية القانونية مثل العلاج والتعليم.


المعجم

تعرّضت مفاهيم عديدة للفحص دون أن يُفسد الاختلاف اتّفاقاً تواضَع عليه الجميع بأن تُطرح الأسئلة حتّى نهايتها. من هؤلاء الصحفية الإيطالية باولا كاريدي ورئيسة رابطة "خطاب 22" للصحافيّين المستقلّين، التي تحدّثت في جلسة ناقشت بالتحديد استراتيجية إيطاليا تجاه المتوسّط. سيستمع الحاضرون إلى عبارات حاضرة للتأمّل مثل أنّ إيطاليا أقلّ استعمارية من فرنسا، وعليه فيمكنها الدفع أكثر بمشروع متوسّطي خالٍ بأكبر قدر مُمكن من الأجندات الضيقة.

كاريدي تُمسك بمفردة متوسّطية، بل حتى عالمية، وتقول إنّ هذه الكلمة بين أيدينا هي "الحقوق"، لكن الحكومات، ومنها الحكومة الإيطالية، تتظاهر بأنّ لديها توجُّهاً لدعم هذه الحقوق، بيد أنّها لا تسعى لتهيئة أرض خصبة، فهي تنظر إلى أوكرانيا من زاوية حقوقية بغير العين التي تنظر بها إلى فلسطين "هناك طُلّاب فلسطينيون يسألون عن هذه الحقوق وهل هي ذاتها في كلّ المعاجم؟".

هذا ما تطرق إليه رئيس بلدية بيت لحم، حنّا حنانيا، حين تحدث عن أداء أوروبي صاعد ومفاجئ خلال بضعة أشهر، حين اندلعت الأزمة في أوكرانيا، بينما لم يكن الأمر بهذه السويّة طوال 74 عاماً على احتلال إسرائيلي واضح المعالم، وواضح المأساة. 

المساهمون