وعود مرشحي الرئاسة التركية في الميزان
ذهب الكثير وبقي القليل، شهر واحد يفصلنا عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية في عملية انتخابية ستكون نقطة تحوّل كبيرة، إما للأمام وإما للخلف. هذا ما يقوله بعض المراقبين وسط اهتمام الإعلام الأجنبي والعربي بتطوّرات هذا الحدث، وهذا إن دلّ فيدل على مدى أهمية نتائج هذه الانتخابات على العديد من الملفات الإقليمية والدولية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، تكثر الوعود الانتخابية من قبل المرشحين الرئاسيين، علّها تكون مصدر جذب لأكبر عدد ممكن من المواطنين الأتراك، فالمرشح الرئاسي عن تحالف الشعب، الرئيس رجب طيب أردوغان، أعلن عن بيانه الانتخابي وما يحويه من أهداف، وتنوّعت الأهداف بين أهداف داخلية وخارجية، مؤكدا أنّ أولوياته تتركز على بناء المناطق المتضرّرة من الزلزال في غضون عام واحد، بالإضافة إلى الاهتمام بالتحوّل الحضري وأخذ التدابير اللازمة لمواجهة أي زلزال محتمل. وأكد أيضاً على استمرار حزب العدالة والتنمية في سياسة تطوير قطاع الصناعات الدفاعية ومكافحة الإرهاب وإنشاء مشروع قناة اسطنبول، هذا المشروع الكبير الذي يراهن عليه أعضاء الحزب الحاكم، وطبعا الرئيس أردوغان، والذي لم يهمل الملف الاقتصادي حيث يسعى لتخفيض معدلات التضخم والفائدة في تركيا لضمان معيشة كريمة للمواطن التركي. كما شدّد أردوغان على تطوير ملف الطاقة في تركيا، واعداً أن تصبح تركيا مركزاً عالمياً لتوزيع الغاز، وهذا ما سيعطي لتركيا ثقلا كبيرا في المجتمع الدولي، دون أن ينسى تأكيده على أهمية دور الأسرة في المجتمع والإبتعاد عن الأفكار التي تؤثرعلى تماسك العائلة التركية كأفكار المثلية الجنسية وما شابهها من أفكار لا تشبه المجتمع التركي.
وإذا أردنا أن نقيّم وعود الرئيس أردوغان، نستطيع القول إنها بالمجمل منطقية، لأن حزب العدالة والتنمية عمل على هذه الملفات حوالي عقدين من الزمن، ولكن بخصوص تخفيض التضخم والفائدة، أعتقد أنّ المهمة صعبة، لأن التضخم مشكلة عالمية ويصعب على تركيا التغلّب عليها، في حين أنّ الدول العظمى مثل الولايات المتحدة لازالت تعاني منها.
أما إذا تحدثنا عن مرشح تحالف الأمة أو ما يعرف باسم "الطاولة السداسية" كمال كلجدار أوغلو ، فالأولوية هي لتغيير نظام الحكم في تركيا من رئاسي إلى نظام برلماني، بالإضافة إلى إعادة تركيا إلى اتفاقية اسطنبول لمكافحة العنف ضد المرأة وتعزيز الحريات الشخصية. وفي العديد من مقابلات كمال كلجدار أوغلو، ذكر أنّ المعارضة التركية رافضة لمشروع قناة إسطنبول جملة وتفصيلا. وذكر أيضا، أنه سيخفّض أسعار المنتجات الأساسية كالبصل! ووعد أيضا بإنهاء الأزمة الكردية وملف الإرهاب المتمثل بحزب العمال الكردستاني، وهذا ما يراه البعض مبالغة كبيرة غير واقعية من قبل مرشح الطاولة السداسية، إذ يصرّح بأهداف كبيرة دون أن يطرح أية آلية للوصول لهذه الأهداف، وهذا ما يجعل المواطن التركي متشكّكا بكلام زعيم المعارضة. وأما خارجياً، فقد صرّح، كمال كلجدار أوغلو، عن نيته التطبيع مع النظام السوري وإعادة اللاجئين السوريين في أسرع وقت ممكن.
إلغاء النظام الرئاسي والعودة إلى النظام البرلماني هي النقطة المشتركة بين مرشحي المعارضة التركية
وأما فيما يخص رئيس حزب البلد السيد، محرم إنجة، فلديه هو الأخر وعوده الخاصة المتمثلة بترسيخ مفهوم الإعلام الحر وحرية التعبير في تركيا، بالإضافة إلى النهوض بقطاع التعليم وتطوير قطاع السياحة وتحسين الوضع الاقتصادي وزيادة الصادرات التركية لدول العالم. وأخيراً إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. وإذا قارنا وعود محرم إنجة بوعود زعيم المعارضة كمال كلجدار أوغلو، نلاحظ عقلانية وواقعية أهداف محرم إنجة.
المرشح الرئاسي عن تحالف الأجداد، سنان أوغان، قد أعلن عن رغبته بالغاء النظام الرئاسي والعودة إلى النظام البرلماني. ونرى أن هذه النقطة هي النقطة المشتركة بين مرشحي المعارضة التركية. ومن أهداف أوغان أيضاً، دعم قطاع الزراعة والوصول إلى الإكتفاء الذاتي وترسيخ مبادئ مؤسّس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك، وشدّد أوغان دائماً على ضرورة إعادة اللاجئين السوريين، حيث عرف عن تحالف الأجداد عنصريته الشديدة تجاه اللاجئين والأجانب. وهنا يكمن السؤال: كيف ستضرب المعارضة التركية باتفاقيات تركيا مع الاتحاد الأوروبي بخصوص اللاجئين عرض الحائط؟! وكيف سيقومون بإعادة اللاجئين بطريقة قسرية؟
ومن وعود أوغان التي أثارت الجدل والسخرية بنفس الوقت، أنه في حال وصوله إلى السلطة سيرفع الحد الأدنى للأجور في تركيا إلى ثلاثين ألف ليرة تركية، أي ما يقارب 1500 دولار أميركي.
وعود مرشحي الرئاسة التركية منها ما هو منطقي، ومنها ما هو غير منطقي وللاستهلاك الإعلامي فقط، ولهذا سيلعب وعي الشعب التركي دوراً كبيراً، حيث إنه لن يقبل أن يستخف به من قبل أيّ جهة أو شخصية سياسية بغية الوصول للحكم، فكل كلمة محسوبة ومسجلة في ذاكرة الشعب الذي ستكون له الكلمة الأخيرة في اختيار رئيس تركيا القادم.