هو كاتب ساخر... هكذا قالت حبيبته

09 مارس 2018
+ الخط -
منذ أن دخلتُ عالم القصة القصيرة، في مطلع الثمانينات، التصقت بي صفة "الكاتب الساخر". كيف تقول عن امرأة إنها شقراء، أو خنساء، أو مكلثمة، أو بعيدة مهوى القرط، أو لها في خدها غمازة؟.. وكيف تقول عن رجل إنه أسمر، أو أشقر، أو في وجهه خال؟ هكذا أنا؛ تذكر أمام أحد الناس اسم "خطيب بدلة".. فيقول لك بتلقائية: أي، عرفته، هاد ساخر..
السادة الصحافيون، ومَنْ في حُكمهم من معدي البرامج الإذاعية والتلفزيونية، ومراسلو الصحف والمجلات، بمجرد ما يقترب واحدُهم مني يسارع إلى سؤالي عن الأدب الساخر.. هذا شيء يشبه عملية توزيع الأدوار في المسلسلات، حيثُ المخرجون يعطون دور المرأة المحبوبة لزبيدة ثروت، أو نجلاء فتحي، والعاشق (الحَبِّيب) لنور الشريف أو محمود ياسين، والعذول لعبد السلام النابلسي، والبلطجي توفيق الدقن، والجد الطيب لعبد العظيم عبد الحق..
أنا أصبحت كممثل من نمط واحد. وكأنني حائط أملس وقد طلاني الدهانون بـ (زومين) دهان، أو ربما وضع أحدُهم عليَّ لصاقة مع سهم باتجاهي كتب عليه: انتبه، هذا كاتب ساخر!.. لذلك تراهم، مع بدء كل مقابلة، يسألونني عن الأدب الساخر، وتجربتي في الأدب الساخر، ورأيي بالأدب الساخر.. إلخ.
لا أنكر، بالطبع، أنني كاتب ساخر، ولكنني دائماً أعترضُ على سرعة انتقال محاوري إلى الجانب الساخر في تجربتي القصصية والصحافية، بعد طي، أو تجاهل الحديث عن تجربتي في السرد الأدبي والصحافي بشكل عام.
ذات مرة قلتُ للزميل الصحافي الذي كان يحاورني:
- حينما نصف امرأة ما، نقول إنها (حسناء سمراء)، أو (حسناء شقراء)، أو (حسناء حنطية)، أو (حسناء أقاحية)- على حد تعبير السيدة فيروز- ولكن إذا لم تكن تلك المرأة حسناء، فبماذا يفيدنا ويفيدها السمار أو الشقار أو لون الحنطة أو اللون الأقاحي؟
وقلت له: أنا، على سبيل التوضيح، أعرف أناساً ساخرين، ولكنهم لا يجيدون السرد..
قال: عفواً.. كيف عرفت أنهم ساخرون؟
قلت: ثمة طرق كثيرة توصلنا إلى مثل هذه المعرفة. كأن يقول الكاتب عن نفسه إنه ساخر! أو يقول عنه أحدُ أصدقائه إنه ساخر! وهو بدوره يجب يصدق كلام صديقه متأثراً بالمثل الشعبي القائل (صديقُك من صَدَقَك القول).. أو تقول عنه صديقته (حبيبته) إنه ساخر! بدليل أنها قرأت له مقالة ففرطت من الضحك! مع أنها ربما تكون ضحكانة (من وكالتها)، وهذا يعني أنه بريء من (تهمة) إضحاكها! وقد تجده هي ظريفاً لأنها تحبه، وعين الرضا عن كل عيب كليلةٌ.. أضف إلى ذلك أن هذه الصديقة تعتقد جازمة بأن مفهوم الأدب الساخر ينحصر بالإضحاك.. وهذا ما حدا بها لأن (تَسِمَ) حبيبَها بأنه ساخر والعياذ بالله!
وثمة طريقة أخرى نستطيع أن نصل بموجبها إلى أن الكاتب (المذكور) ساخر، وهي أن يكتب هو على أحد مؤلفاته- بقلم الشنيار المخصص للأعدال ذات القلم الأحمر- عبارة: (قصص ساخرة)، أو (مقالات ساخرة) أو (نصوص ساخرة).. مثلما يفعل الطفل الذي يتعلم الرسم في الصف الأول. فهذا الطفل إذا رسم منظراً طبيعياً فإنه يكتب على الشجرة (شجرة) وعلى السماء (سماء) وعلى العصافير (عصافير) ظناً منه أن مثل هذا الشرح ضروري.
ما أردت قوله، باختصار: كن يا حبيبي قبل كل شيء كاتباً، متمكناً من أدواتك الإبداعية، وبعدها كن ساخراً أو لا تكن ساخراً.. فهذه ليست مشكلتك..
وإذا لم تكن ساخراً (الله وكيلك مو عيب).

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...