هواتفنا الذكية... هل زادت من عزلتنا؟
أشار تقرير نشرته شركة (App Annie) لمراقبة التطبيقات، إلى زيادة عدد الساعات في عام 2021 التي يقضيها الناس حول العالم في تصفح هواتفهم مقارنة بعام 2020.
وبحسب دراسات مختلفة، أشارت إلى تزايد الأوقات التي يقضي فيها الناس وقتا مع هواتفهم، سواء لأغراض العمل أو الترفيه أو التواصل الاجتماعي. ولعل سهولة استخدام التطبيقات فتح المجال بلا حدود لجميع الناس في الاطلاع والتواصل والتدريب والتعليم وأن يكونوا أيضا مؤثرين، وأن يقوموا بتجمعات افتراضية لتبادل الآراء والخبرات والتسويق بطريقة غير مسبوقة.
وإذا كان هاتفك يأخذ من وقتك ساعات طويلة في اليوم، ففي بعض الهواتف، يمكنك الحصول على معلومات حول إدارة الوقت الذي تقضيه في استخدام هاتفك، مثل معدَّل ومدة استخدام كل تطبيق.
وبالرغم من العزلة التي فرضتها علينا الجائحة، إلا أننا ما زلنا متواصلين مع بعضنا بعضاً ليل نهار، رغم فوراق الزمن وبعد المسافات. وهنا قررت الإضاءة على الجانب المشرق لاستخداماتنا المتكررة للتطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي، بالرغم من جوانب أخرى معتمة لا مجال هنا لذكرها.
بمرو الوقت ومع تفاقم أزمات الجائحة بأبعادها المختلفة، سيتحول المنزل مع هواتفنا إلى مكان عمل وسيتغير تصميمه ليكون ملائماً
يتواصل اليوم المليارات من الناس عبر هواتفهم الذكية، يشترون ويبيعون، ويتبادلون المعلومات وخدمات المعلومات، وكل ما يمكن للمرء أن يتخيله من صحف وكتب وأفلام وموسيقى ومسرحيات، والمراجعات والاستشارات الطبية والقانونية والمهنية، وأعمال التسويق والصيانة والعقود والرهن والتأمين والتعلم والتعليم، إنه سوق من عدة تريليونات دولار سنويا، ولا يقل عن ربع الاقتصاد العالمي. بحسب ما كتبه الأستاذ إبراهيم غرايبة في كتابه الرائع "من الهرمية إلى الشبكية".
وبهذا، فقد مُنح الجنس البشريّ اليوم الوسائل الكفيلة بتحقيق الأهداف التي تجمّعت نتيجة النُضج المستمر في الوعي والإدراك. وفي هذا السياق، يبدو أنّ شبكة الإنترنت ماضية في طريقها في إحداث تغييرات عميقة في العلاقات الإنسانيّة، علاقات تطاول الأفراد والعائلات وأماكن العمل والمؤسّسات العامّة وحتّى الشّؤون الدوليّة.
وهي ظاهرة توضِّح كيف أنّ "الثّورات في العلوم والتقنيّة لا تُغيّر الأداء فقط، بل تغيّر مفهوم المجتمع، وفي الحقيقة مفهوم الوجود نفسه أيضًا.
وإذا لم يعد استخدام الإنترنت متاحا ورخيصا للعامة، فستزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وسيحرم أغلبية الناس من القدرة على الإفادة والاستفادة من هذه الشبكة، ولا يمكن حرمان "القاعدة" من الإنترنت.
وقد تطورت الحواسيب الشخصية والهواتف الذكية على نحو يغير جذريا علاقتنا بالحياة، حيث يقول أستاذ الفلسفة بجامعة نيم الفرنسية ستيفان فيال في كتابه "الكينونة والشاشة" نحن في حاجة إلى مفاهيم جديدة أكثر قدرة على إدراك التعقيد الحقيقي للظاهرة الرقمية؛ ويمكنها أن توضح بمزيد من العمق معنى ما نشعر به أمام شاشاتنا الذكية. ويقول في كتابه إنها تقنية تبدو أكثر تعقيدا من أي وقت مضى، بل هي ظاهرة ذات تعقيد لا نهائي لا يمكن الإحاطة به.
قدّمت لنا التطبيقات المختلفة على هواتفنا عالماً جديداً من العمل من المنزل مثل: التصميم والترجمة، والمحاسبة، والصيانة، والتسويق، والوساطات التجارية، والتعليم، والاستعانة بالخبرات من جميع أنحاء العالم.
وبمرو الوقت ومع تفاقم أزمات الجائحة بأبعادها المختلفة، سيتحول المنزل مع هواتفنا إلى مكان عمل وسيتغير تصميمه ليكون ملائماً للعمل وعدم الاكتراث لمساحات استقبال الضيوف، فتتحقق فيه الخصوصية والهدوء، والقدرة على العمل وان تصبح منازلنا جديدة ومختلفة.
فلا ضير إذا من زيادة عدد الساعات التي نستخدم فيها هواتفنا النقالة، فهي تتطور بسرعة وتجعلنا تلك التطبيقات قادرين على تلبية كل ما نبحث عنه ونريده، فلقد تحول الهاتف المحمول إلى عالم للعمل والقراءة والاطلاع والتواصل والتسلية والعمل. ولكن مع هذا التسارع الهائل في المدنية واللهاث نحو هذه التطبيقات، ثمة مشكلات أخلاقية ستبرز لا محالة. والتحدي يكمن في إيجاد التوازن ما بين العالم المادي والروحاني.