هل نمتلك الحق في أن ننسى؟

21 اغسطس 2023
+ الخط -

الكثيرون منبهرون هذه الأيام بقدرة الذكاء الاصطناعي، والبعض الآخر ربما قد يصاب بالرهاب مما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي. إنه قد يتفوق على الإنسان، إنه يقوم بأعمال فنية، يظهر لك صوراً من غابر الزمان، ينوب عنك في كتابة الرسائل، وغير ذلك من الأمور التي تبدو أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع.

لكن قليلين هم أولئك الذين يتساءلون عن طريقة عمل الذكاء الاصطناعي، لا أقصد هنا الجانب التقني فيه، بل الجانب المعرفي، هل تساءلنا يوماً، من أين يحصل الذكاء الاصطناعي على المعلومة، الإجابة عن هذا السؤال، ربما قد تقلل من استغرابنا، وتجعلنا ننظر إليه بنظرة موضوعية.

لا يشك أحد في أننا اليوم نعيش في عصر المعلومات، حيث أصبحت إنها هي العملة الرائجة، غير أن هذه المعلومة يبدوا أن أمرها غريب، حيث أننا يوميا نزود الشركات الكبرى بالمعلومات حتى من دون أن نلقي لذلك بالاً. في بعض الأحيان نقدم المعلومات مجاناً، وأخرى نقدمها مقابل أجر لا يستحق، إذ إننا مقابل الولوج إلى متصفح جديد، لا بد أن نضغط على زر الموافقة على استعمال بياناتنا. يبدو لنا أن ضغطة الزر لن تكلفنا شيئاً، غير أن هذه الضغطة، في الحقيقة تكلفنا الكثير.

لنتعرف على ذلك أكثر، لا بد من طرح السؤال التالي، هل نحن أحرارٌ في قراراتنا التي نتخذها يومياً، مثلا أي طريق نختار في الذهاب إلى العمل، أي منتوج نشتري، لماذا نفضل بعض أنواع الأكل على الأنواع الأخرى؟ لماذا نستعمل جهازاً معيناً دون غيره... واللائحة طويلة.

وجودنا على الشبكة العنكبوتية يشبه العنكبوت فعلاً، إذ إننا من حيث ما مررنا نترك أثراً يدل علينا، ومن ثم يسهل تتبعنا والحصول علينا بكل سهولة

في الحقيقة لا أحد منا يستطيع الإجابة عن ذلك، إذا ما أدركنا مثلاً أن حياتنا تتكون من مجمل قرارات نتخذها بشكل يومي، ثم أدركنا مثلاً أن هذه القرارات تبنى بالدرجة الأولى على معلومات، وإذا ما أدركنا أيضاً أن هذه المعلومات قد تختلف مصادر الحصول عليها، سواء من أصدقاء أو كتب أو لافتات في الشارع أو أخبار أو تلفاز، أو مواقع التواصل الاجتماعي.

وغير ذلك كثير، ربما إلى هنا يبدو الأمر غير مقلق، حيث أننا نستطيع تمحيص تلك المعلومات وتمييز جيدها من رديئها وبالتالي فإننا لن نتخذ القرار إلا بناء على المعلومات الجيدة. لكن ماذا لو أدركنا مثلاً، أن دماغنا قد يسجل معلومات في غير وعي منا، إذ إنه يستطيع أن يسجل كماً هائلاً من المعلومات. قد تتساءل وما فائدة هذه المعلومات، إليك ما فائدتها.

كم مرة ترددت في شراء منتوج معين، لكن سرعان ما اخترت أحداً دون غيره، دون أن تعرف السبب، فقط لأنك أحسست أنك تميل إليه دون غيره، هنا أنت لا تدرك أن دماغك قام بخداعك حيث في الحقيقة أنه في غير وعي منك، سجل بيانات هذا المنتوج، ولهذا عندما شعرت بالحيرة ساعدك على اختيار هذا المنتوج، والذي ربما قد لا يكون صحياً بالمرة، فقط لأنه مألوف لديك اخترته دون غيره. الأمثلة مثل هذه كثيرة، غير أن خطورتها تكمن فيما إذا أردنا اتخاذ قرار قد يكون مصيريا بالنسبة لحياتنا، سواء في اختيار الشريك، في تغيير مكان السكن، وغير ذلك.

وجودنا على الشبكة العنكبوتية يشبه العنكبوت فعلاً، إذ إننا من حيث ما مررنا نترك أثراً يدل علينا، ومن ثم يسهل تتبعنا والحصول علينا بكل سهولة. الأمر لا يقتصر على مجرد بيانات بسيطة نقدمها، بل تكون عبارة عن بيانات مهمة، مثل صور أو فيديوهات، أو غير ذلك. وهذا ما يمكن أن يكون بمثابة هوية رقمية لنا، غير أن هذه الهوية، لا نملكها بل هي بيد غيرنا، ومن يملكها يمكنه التصرف فيها كيفما شاء.

هل نملك الحق في أن ننسى، بمعنى، هل نملك الحق في محو هذه الهوية، أو على الأقل نكون نحن المسؤولون عنها؟ يبدو الأمر أصعب مما نتصور، إذ إن هذا الأمر بدأ يناقش في أوروبا وأميركا منذ سنة 2014. لماذا إذاً نستغرب كيف يعمل الذكاء الاصطناعي؟ إننا نحن من نزوده بكل شيء، هو فقط يقوم بالتحليل، إننا نعيش فعلاً زمن نهاية النسيان.

سفيان
سفيان الغانمي
باحث في الفكر الإسلامي، حاصل على الإجازة في علم النفس، وباحث في سلك العالمية العليا التابع لجامع القرويين بفاس، مدون مهتم بالفكر والأدب. يعرّف عن نفسه بالقول: "حبر الطالب أقدس من دم الشهيد".