من يحسم مستقبل تونس؟

12 يناير 2023
+ الخط -

تونس لؤلؤة الثورة العربية، تقف على شفا الانهيار. انسداد سياسي، فشل دبلوماسي، ركود اقتصادي، احتقان اجتماعي، وضعف أداء مؤسساتي وإداري، وكأنّ البلاد في حالة احتضار، ما لم يأتِ الحل والحسم لإنقاذ مستقبلها.

واحد من الثالوث، رئيس الجمهورية ومن معه من جهة، والمعارضة من جهة أخرى، واتحاد الشغل من جهة ثالثة، واحدٌ من هؤلاء سيكون له قرار الحسم في مستقبل تونس. 

ونظراً لتاريخه الطويل في قلب المعادلات عند الأزمات الكبرى، ولتحكمه الفعلي في سير المؤسسات، ولهيكلته المنظمة والوفية، سيكون موقف اتحاد الشغل من الأزمة الراهنة في تونس، الفصل في إيقاف كرة الثلج التي تكبر كلّ يوم، لتعلن انهيار الدولة ككل.

في المحن الكبرى التي كانت ترتكبها السلطة ضد الشعب، كان اتحاد الشغل هو الوحيد القادر على قلب المعادلات. فخيمة الاتحاد تضمّ كلّ التوجهات السياسية، دون عناوينها الرئيسية، وهو ما يجعل من الاتحاد ممثلاً حقيقياً لأكثر الشرائح المدنية المنظمة في الدولة. فقد كانت للاتحاد تحرّكات مفصلية في ثوره الخبز سنة 1984، وكانت له التحرّكات الأهم في ثورة الياسمين في يناير 2011، فانقلبت معه كلّ المعادلات، وهو ما أدى إلى هروب المخلوع بن علي. ولا بد من التذكير بأنّ اتحاد الشغل في مرحلة أولى من قيام الثورة، كان مع السلطة، ولمّا تأكد له تحرّك الشعب ضد إجراءات النظام، وأن لا مجال للعودة، قرّر الالتحاق بالشعب، وهو ما أدى إلى مزيد من تنظيم الثوار وهروب الطاغية.

في المحن الكبرى التي كانت ترتكبها السلطة ضد الشعب، كان اتحاد الشغل هو الوحيد القادر على قلب المعادلات

تكمن قوة الاتحاد الحقيقية في سيطرته الفعلية، محلياً وجهوياً ومركزياً، على المؤسسات. فهياكله النقابية في كلّ مؤسسة هي التي تحدّد مسار العمال، وامتيازاتهم، ونقلهم، وتفشل كلّ إدارة لا تستجيب للمطالب والتسويات النقابية. كلّ رفض للمطالب النقابية يؤدي إلى مواجهة مع الإدارة، تدفع إلى غلق المؤسسة بالوقفات الاحتجاحية والإضرابات المتتالية، وإشهار قوائم مطلبية عديدة في الحقوق العمالية التي يتعايشون مع غيابها منذ استقلال الدولة التونسية. وقد ينتهي كلّ هذا الحراك بطرد المدير، ولذلك تخشى كلّ إدارة الدخول في مواجهة مع الهياكل النقابية، وترضخ للتسويات، وبهذا تستمر قوة اتحاد الشغل إلى ما لا نهاية.

وسيطرة اتحاد الشغل على المؤسسات تنبع من هيكلته شديدة التنظيم، فلا تخلو مؤسسة، في كامل تراب الجمهورية، من وجود نقابات أساسية، وكلّ النقابات الأساسية تخضع لسلطة النقابات الجهوية وقراراتها، التي بدورها تخضع للمركزية النقابية. هذه الهيكلة المنظمة لا تسمح بأيّ صوت معارض لقرارات الاتحاد، وأي معارضة تجابه، في لمح البصر، بتحرّك لجان التأديب، وتقرّر تجميد العضو النقابي من النشاط أو طرده من المنظمة. وهذا ما يجعل من الاتحاد قوة تتحرّك في اتجاه واحد، تحدّده المصالح أولاً وحقوق العمال ثانياً. قوة الهيكلة في صلب الاتحاد، وهي بإمكانها إيقاف كلّ المؤسسات على امتداد تراب الجمهورية فوراً بمجرد قرار من المركزية النقابية. وقد نفّذ اتحاد الشغل في عهد الترويكا إضرابين عامين أحدثا شللاً تاماً للبلاد، وهو ما قد يسقط أعتى الأنظمة.

سيطرة اتحاد الشغل على المؤسسات في تونس تنبع من هيكلته شديدة التنظيم

 

بهذه القوة الموضوعية والواقعية والتاريخية للاتحاد، سيكون له قرار الحسم في مستقبل تونس. وإن استطاع الرئيس احتواء الاتحاد وتمكينه من مصالحه، فسيكون الاتحاد في جانب الرئاسة ضد قوى المعارضة، دون أدنى شك، خاصة أنه ضد وجود الإسلاميين في البلاد، وقد عبّرت قياداته عن ذلك في الكثير من المرّات، وأما إذا واصل الرئيس هجومه العنيف على الاتحاد، وواصل كيل الاتهامات له وتهديده، فستتحرّك ماكينة الاتحاد لحماية قياداتها تحت شعارات مختلفة، مثل حماية الحقوق الاجتماعية والمؤسسات العمومية وحماية الدولة التونسية من الانهيار.

يوم 14 يناير القادم، تاريخ انتصار الثورة التونسية على الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وتاريخ دعوة المعارضة، أو المعارضات في تونس، إلى الخروج في مسيرات مناهضة للرئيس. وحينها، سيدرك الجميع موقف الاتحاد، فإن قدرت المعارضة على تحريك فئات كبيرة من الشعب، خاصة أنّ الشعب أصبح مؤهلاً لذلك، بسبب حجم المعاناة الاقتصادية والاجتماعية، التي يبدو أنه لا حلّ لها في ظلّ النظام السياسي القائم، حينئذ سيظهر موقف الاتحاد جلياً، ويظهر من خلاله مستقبل تونس، إما مواصلة نظام قيس سعيّد أو العودة إلى الديمقراطية.

محجوب قاهري
محجوب أحمد قاهري
طبيب وناشط في المجتمع المدني، يكتب المقالات في عدد من المواقع في محاولة لصناعة محتوى جاد ورصين.