من حكايات حارتنا... المجنون بهواه!

10 فبراير 2023
+ الخط -

حارتنا واحدة من حارات الدنيا الضيقة، التي لا تنتهي حكاياتها ولن تنتهي.. وهنا أدوّن بعضاً من تلكمُ الحكايات.

 حكاية التكريم

جميلة هي لحظات التكريم، فلا شيء يُسكر النفس مثل الثناء عليها أو تكريمها، لكن تكريم القطيع كله دليل على عدم التكريم! فالتكريم يدل على تميّز المكرَّم، فهل كلنا مميزون؟! الموضوع أشبه بجعل الطلاب جميعهم "الأول"!

شهدت تكريمات تُقام على هذا النحو، وكأن المكرِّم لا يريد أن يستثني أحداً، ولا يريد أيضًا أن يُزعّل أحداً. فلِمَ التكريم إذن؟

البعض يحبون هذه "الطقوس" الموسمية، يجرونها كلّ فترة وأخرى من باب كسر الروتين، والشوق للتميّز والتصفيق وصناعة ضجة ما.

ماذا يفعلون؟

كلّ واحد منهم يكرّم الآخر، ثم يتبادلون الأدوار! ولله في خلقه شؤون.

حكاية المهادنين

لطفاء.. بل في غاية اللطف وهم يحدثونك عن السلام والهدوء، وأنّ أهم شيء أن يعيش المرء في سلام!

رأيهم في كثير من أمور الحياة التي يريدونها لنا ولهم ولسكان هذا الكون الفسيح، تتلخص في كلمة واحدة: المهادنة!

لسان حالهم قول الشاعر: منْ عاش مداري مات مستور/ ما في المداراة من نقصان

المهادنون يبرّرون أيّ شيء ولكلّ شيء، ولو تناقضوا في تبريراتهم

لذا تجدهم ينصحون أن نمشي بجوار الحيط، ولو سقط هذا الحيط على رؤوس الخلق والعوالم بفضل قذائف "المسالمين" الذين يهادنونهم!

المهادنون يبرّرون أيّ شيء ولكلّ شيء، ولو تناقضوا في تبريراتهم، لأنّ "هذه حال وتلك حال، وسبحان مقلّب الأحوال والقلوب والأهواء!".

حكاية الدكان

"جامعة كذا تمنح شهادة الماجستير، وقريباً الدكتوراه"!

قرأتُ هذا الإعلان، فتذكرتُ دكانًا كان في حارتنا لجارنا الطيب محسن، كان يبيع المعلبات الجاهزة والخضراوات، ثم وجد فراغاً في دكانه، فملأه بالملابس الجاهزة لبيعها!

ومرت الأيام ليجد فراغاً آخراً، فجلب له الأدوات الكهربائية لبيعها!

وبعد حين، حشر بضاعته السابقة، ليفرغ مكاناً لمستلزمات مواد البناء والسيراميك والخردة التي نوى بيعها! ثم خفّف من ديكور دكانه ليجد فراغاً لألعاب البليستيشن التي جلبها، ليصبح دكانه مقصد شباب الحارة من اليافعين لأجل اللعب... وهكذا دواليك!

حكاية المجنون بهواه!

أعرفه منذ زمن، كان عاقلاً رزيناً وذا طموح واسع ومواهب أدبية واعدة، فما الذي غيّر الأحوال؟

ما الذي حوّل (س) إلى هذا المخلوق مُزري المظهر، وهو يتسوّل المارة أي شيء؛ فلوساً.. سيجارة.. طعاماً؟!

الحفرة التي سقطت فيها الأمّة كلها، لم تحرّك مشاعرَ أحد

الغريب أنه ينادي معاريفه بأسمائهم؛ عندما اقتربتُ منه، ناداني بلقبي، وبدا يتحدث معي بكلّ عقل ورزانة، فقلت له: هيّا كيف؟ ألست مجنوناً؟

ضحك ملء شدقيه وقال: وأنت صدّقت ذلك!

- يعني؟

- يعني "جِنان يخارجك ولا عقل يحنبك"!

- يا سلام، هكذا.. وليش؟

- تعبتْ من التعقّل، فقلت أجرّب الجِنان. وجدته مربحاً، طعام ودخل بلا مسؤولية، وأريحة بجهد أقل. يا صديقي، العقل متعب؟! نهاية إقدامِ العقول عقالُ، وها أنا خلعتُ عقالي وقيدي واسترحت.. 

ثم يضحك، وبعدها نهض وجرى مبتعداً، وأنا أراقبه ضارباً كفاً بكف، ولا أدري ما أقول.

هل أقول: خذوا الحكمة من أفواه المجانين؟ ولكن منْ هم؟ صاحبنا العاقل؟ أم الآخرون؟!

حكاية حفرتين

سقط طفل في حارتنا في حفرة ترابية ذات يوم، ووافق الأمر وجود كاميرا وثّقت الحادثة التي تحوّلت إلى حدث عالمي، أشرعت له القنوات الفضائية العربية كلّ عدساتها، لأنها وجدت خبراً تتفاعل معه بعيداً عن أخبارها "العادية" عن الحروب والموت والدمار!

وعندها حق؛ فحفرة التراب تلك حرّكت مشاعر التماسيح الحرشفية (صفة للمشاعر لا التماسيح)، والتي لم يحرّكها ما يجري في فلسطين أو اليمن أو العراق أو السودان أو.. 

أما الحفرة التي سقطت فيها الأمّة كلها، ولا تزال تتجلجل خسفاً وانحداراً على مدار السنين (خصوصاً في السنوات الأخيرة)، ولم تحرّك مشاعرَ أحد، بل لا يدركون أنهم يزدادون ارتكاساً، ما داموا "عايشين" أو هكذا يتوهمون! 

وتستمر الحكايات..

عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية. لديه عدّة كتب منشورة إلكترونيا. الحكمة التي يؤمن بها: "قيمة الانسان هي ما يضيفه للحياة ما بين حياته ومماته" للدكتور مصطفى محمود.
عبد الحفيظ العمري

مدونات أخرى