مستشفى كمال عدوان: حكاية صمود إنساني في قلب الحصار

04 يناير 2025
+ الخط -

في قلب شمال قطاع غزة، وعلى أرض تعانقها المعاناة اليومية وتغمرها قصص الصمود والتحدي، يقف مستشفى كمال عدوان شاهداً على معركة الحياة والموت التي يخوضها الفلسطينيون كل يوم. هذا المستشفى الذي يحمل اسم المناضل الفلسطيني كمال عدوان أصبح ملاذاً للجرحى والمرضى، ووجهة للعائلات التي تهرب من نيران الحرب بحثاً عن ملاذ آمن يوفر لها علاجاً أو حتى بصيص أمل في البقاء على قيد الحياة.

تأسس مستشفى كمال عدوان قبل عقود في منطقة بيت لاهيا ليصبح من أبرز المرافق الطبية في شمال القطاع. ورغم الإمكانيات المتواضعة والتحديات الكبيرة، استطاع أن يقدم خدماته لأعداد هائلة من السكان في واحدة من أكثر المناطق اكتظاظًا في العالم. كان المستشفى يهدف منذ إنشائه إلى توفير الرعاية الصحية الأساسية للفلسطينيين الذين يعانون من نقص حاد في الموارد الطبية بسبب الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات طويلة.

المبنى الذي يضم المستشفى قد لا يبدو فخماً أو حديثاً، لكنه يحتضن بين جدرانه طواقم طبية تعمل بإخلاص وتفانٍ لا مثيل له على مدار الساعة. هم أطباء وممرضون وعاملون في المجال الصحي يشكلون خط الدفاع الأول في مواجهة التحديات الصحية التي تفرضها ظروف الحرب والحصار والإمكانيات المحدودة. هؤلاء الأشخاص يعملون تحت ضغط هائل، فهم لا يواجهون فقط الأمراض والإصابات اليومية، بل أيضاً الحالات الناتجة عن القصف والاعتداءات المستمرة.

خلال التصعيدات العسكرية التي تشهدها غزة بشكل متكرر، يتحول مستشفى كمال عدوان إلى خلية نحل لا تهدأ. الممرات تضيق بالجرحى، وأصوات الألم تختلط بنداءات الأطباء والممرضين الذين يبذلون كل ما بوسعهم لإنقاذ الأرواح. هنا تُنسى الفوارق بين الأطباء والمرضى، الكل يصبح عائلة واحدة تتكاتف في وجه الكارثة. لا مجال للتراجع ولا وقت للتردد، الكل يعلم أن كل دقيقة قد تكون فارقة بين الحياة والموت.

أصبح مستشفى كمال عدوان رمزاً للصمود الفلسطيني، خاصة عندما بات محط الأنظار خلال الأزمات الإنسانية التي يشهدها القطاع

 

المستشفى لا يقتصر دوره على العلاج فقط، بل يمتد ليكون مركزاً للصمود الوطني، فهو يقدم خدماته بغض النظر عن الانتماءات السياسية أو الخلفيات الاجتماعية. الجميع هنا متساوون أمام الألم والحاجة للرعاية الصحية. المستشفى أيضًا يلعب دورًا مهمًا في تقديم الدعم النفسي للمرضى وأسرهم الذين غالباً ما يكونون قد فقدوا أحباءهم أو منازلهم نتيجة العدوان المستمر.

ومع ذلك، فإن التحديات التي يواجهها المستشفى ليست سهلة. الحصار المفروض على غزة يجعل من الصعب جدًا الحصول على المعدات الطبية الحديثة أو حتى الأدوية الأساسية. المستشفى يعاني من نقص دائم في الموارد، لكنه يعتمد على كفاءة الطواقم الطبية وإرادتهم التي لا تنكسر لإيجاد حلول مبتكرة تجعلهم قادرين على التعامل مع أصعب الظروف.

أحد المشاهد التي لا تُنسى في تاريخ المستشفى كانت خلال الاقتحامات العسكرية، حين كانت الدبابات الإسرائيلية تحاصر المكان. أفراد الطواقم الطبية كانوا يعملون تحت القصف في ظروف لا يمكن لأي إنسان عادي أن يتحملها، لكنهم كانوا مصرين على أن يبقى المستشفى مفتوحًا وأن يظل ملاذًا آمنًا للجرحى والمرضى. هنا تتجلى روح المقاومة الفلسطينية، ليس فقط في وجه الاحتلال العسكري، بل في التمسك بالحياة رغم كل شيء.

وفي السنوات الأخيرة، أصبح مستشفى كمال عدوان رمزاً للصمود الفلسطيني، خاصة عندما بات محط الأنظار خلال الأزمات الإنسانية التي يشهدها القطاع. كثير من الصحافيين والناشطين الذين زاروا المكان وصفوه بأنه نموذج حي للإنسانية التي تصر على الحياة رغم كل المحاولات لتدميرها. المستشفى أيضاً كان شاهداً على قصص إنسانية ملهمة، حيث نجح الأطباء في إنقاذ أرواح أشخاص كانت حالتهم تُعتبر ميؤوساً منها.

ورغم كل الجهود المبذولة، يبقى المستقبل غامضاً بالنسبة للمستشفى وللقطاع الصحي بشكل عام في غزة، فالضغوط الاقتصادية والسياسية تهدد استمرارية تقديم الخدمات بشكل مستدام. ومع ذلك، فإن إرادة العاملين في المستشفى والمجتمع المحلي تعطي أملًا بأن هذا المكان سيظل صامدًا وسيظل شاهداً على أن الحياة يمكن أن تزدهر حتى في أحلك الظروف.

مستشفى كمال عدوان ليس مجرد مبنى أو مؤسسة طبية، بل هو قصة صمود فلسطيني في وجه التحديات المتراكمة. هو تجسيد للروح التي لا تعرف الهزيمة والرمز الذي يذكرنا بأن الإنسانية يمكنها أن تنتصر حتى في أصعب اللحظات. هو المكان الذي يلتقي فيه الأمل بالألم والإصرار بالمعاناة، لتروي حكاية الشعب الفلسطيني الذي يرفض أن يتخلى عن حقه في الحياة.