متى يستيقظ مؤيدو الأسد؟
في بداية العام الحالي، وقبل الحرب الروسية على أوكرانيا، بدت الأمور وكأنها تصب بشكل مطرد في صالح نظام الأسد. فقد ظهرت روسيا، حليفة النظام الأولى، متصدرة لحلف فضفاض من الديكتاتوريات والأنظمة ذات النزعة الاستبدادية. استغلت روسيا الأزمات الاقتصادية التي مرت بها الديمقراطيات الغربية لتصور نفسها وحلفها أنهما واحة الاستقرار في خضم الفوضى الغربية.
حليفة النظام الثانية، إيران، سعت أيضاً لتصوير نفسها أنها ند يفاوض الغرب على برنامجها النووي، وأنها ذات هيمنة على قرار عدد من جيرانها العرب. وساعد في تشكيل هذا الموقف الإيراني رغبة أميركية، بغض النظر عن صوابها، في منح الأولوية الكلية لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع طهران.
بدا داعما الأسد الأساسيان وكأنهما دولتان قياديتان في عالم تتراجع فيه قيم الحرية والعدالة والمساواة لصالح السلطوية والفاشية التي تتخذ من الفكر الديني أو القومي غطاء لها، وهو ما منح الأسد، ومن يحوم في فضائه من التيار المعادي للثورات، الثقة بأن "الأزمة" في طريقها للانتهاء، وأن إعادة تعويمه ما هي إلا مسألة وقت قريب. بل إن عدداً من قصيري النظر في المنطقة، ممن لا يختلفون جداً عن النهج الأسدي في التعامل مع الشعوب، رأوا الأمر محسوماً وقرروا إعادة التموضع في حلف قمعي ديكتاتوري.
متى سيلحقون بأبناء شعبهم من السوريين الذين ثاروا على نظام الأسد قبل 11 عاماً مطالبين بحياة كريمة ومستقبل حر لجميع السوريين؟
ولكن سبحان مغير الأحوال. فروسيا بوتين اليوم تعيش أحلك أيامها منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. جيشها، الذي تباهى بقدراته العسكرية في قمع السوريين، لم يستطع حتى فرض السيطرة الجوية في عدوانه على أوكرانيا. بل إن سيطرة وحدات الجيش الروسي على الأرض شهدت انهياراً في الشهر الأخير، ما كشف عن خدعة "القوة العظمى" التي رسمها بوتين للعالم. أما شعوب الاتحاد الروسي التي أراد بوتين أن تكون دائماً في صف خياراته، فقد كشفت بشكل مطرد عن رفضها مقامراته. التظاهرات في قلب موسكو، وفي أطراف البلاد، في الجمهوريات التي تقطنها أقليات طحنتها الإمبريالية الروسية، كانت رفضاً لبوتين، وإن كانت لا تزال خجولة حتى الآن. أما حملات التجنيد القسري فأدت إلى موجات فرار جماعية في المطارات الروسية ومعابرها البرية مع فنلندا وجورجيا.
ومثلها، فإن غطرسة النظام القمعي الإيراني تتهاوى الآن أمام انتفاضة شعبية تقودها النساء الإيرانيات احتجاجاً على مقتل الشابة مهسا أميني على يد الشرطة. الاحتجاجات تستمد قوتها من رفض مزمن للنظام القائم، وفي كل مرة تشتعل فيها التظاهرات في شوارع المدن الإيرانية تراها تأخذ زخماً أقوى. حالة الطلاق بين النظام الإيراني والإيرانيين تجلت في رفع رئيس النظام الإيراني، إبراهيم رئيسي، صورة (قائد فيلق القدس المغتال) قاسم سليماني في الأمم المتحدة، بينما كان المتظاهرون يحرقون صور سليماني في مسقط رأسه في كرمان.
والسؤال هنا، متى يستيقظ مؤيدو الأسد من السوريين؟ فسورية الأسد العظمى التي هزمت "المؤامرة الكونية" كما يؤمنون، ما هي إلا ضرب من الخيال. متى سيلحقون بركب الروس ويتخلون عن نظام جلب على البلد أشد العقوبات الغربية، ودمر الاقتصاد ونهبه لصالح ثلة من الأوليغارشية التي تسكن هي وأبناؤها خارج سورية؟ متى سيهجرون جيشه ومليشياته التي ما راح ضحية معاركها إلا أبناؤهم؟ متى سيلحقون بالإيرانيين في تمردهم على نظام لا يلقي بالاً لمعاناة الناس، واصفاً كل ما يجري على أنه مؤامرة خارجية ضد سعيه لتحرير فلسطين؟ متى سيلحقون بأبناء شعبهم من السوريين الذين ثاروا على نظام الأسد قبل 11 عاماً مطالبين بحياة كريمة ومستقبل حر لجميع السوريين؟ بل متى يستفيقون من وهم الانتصار، إلى واقع سورية، التي يتحمل مسؤولية تدميرها نظام الأسد وسياساته بالدرجة الأولى؟