عيد شهداء سورية
في خضم زحمة الأيام القليلة الماضية، بين تسريب الأنباء عن مجزرة التضامن، والضجة التي تلت إعلان رئيس النظام السوري عن عفو يشمل عدداً بسيطاً ممن تحتجزهم أجهزته القمعية في أقبية المخابرات، مر عيد الشهداء الموافق للسادس من مايو/ أيار بهدوء ومن دون ضوضاء.
يمكن أن يعزى ذلك للأحداث التي رافقت المناسبة، أو شهر رمضان وعيد الفطر، أو لانشغال الناس بهموم حياتهم اليومية التي لم تبق مساحة لأحد إلا للتفكير بتدبير قوته وعائلته. أو ربما لأن في بيت كل سوري فقيد يحتسبه عند ربه شهيداً.
لكن لعيد الشهداء أهمية كبرى في الذاكرة السورية. فقد خُصص يوم السادس من أيار خلال عهد المملكة السورية (1918 - 1920)، لذكرى شهداء العروبة الذين أعدمهم جمال باشا خلال سنوات الحرب العالمية الأولى. شهداء سقطوا دفاعاً عن مطالبتهم بالحقوق العربية في دولة عثمانية هيمن عليها استبداد جمعية الاتحاد والترقي، التي تبنت مركزية القومية التركية عماداً لدولة متعددة الأعراق والأديان.
أدعو لأن نستعيد عيد الشهداء من الهيمنة الأسدية، وأن نعيد له قيمته التي خصص لأجلها، لأن يكون يوماً لذكرى كل من ضحى لأجل حرية سورية وحقوق مواطنيها وحياتهم الكريمة
ونجا عيد الشهداء من بطش الانتداب الفرنسي (1920 - 1946)، بالهوية السورية، وكان يوم 6 أيار من عام 1946 أول مناسبة وطنية تحتفل بها سورية بعد جلاء آخر العسكر الفرنسيين عنها قبل أقل من أسبوعين في 17 إبريل/ نيسان. ومنذ تلك الحين أصبح اليوم مناسبة يحتفل بها أيضاً بشهداء الاستقلال السوري عن فرنسا، وليكون بذلك أقدم ملامح الدولة السورية الحديثة، بما في ذلك النشيد الوطني وعلم الاستقلال، الذي تبنته الثورة السورية بعد عام 2011.
نظام الأسد لم يغفل المناسبة هذا العام من دون أن يمسح عنها سمتها الوطنية ويصبغها بسماته الأسدية، كما فعل بكل شيء سوري منذ حركته "التصحيحية" عام 1970. فعلى سبيل المثال، رأت وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، أن عيد الشهداء لا يقتصر فقط على ذكرى شهداء السادس من أيار من عام 1916، والذين أعدمهم الوالي التركي جمال باشا، وطبعاً من دون أن تفوت الفرصة في مهاجمة "النظام التركي الأردوغاني". كما أن المناسبة لا تقتصر على شهداء الجيش السوري الذين سقطوا دفاعاً عن الوطن، بل رأت أنها تشمل "معارك الدفاع عن عروبة لبنان ضد العدو الصهيوني وقوافل شهداء الحرب على الإرهاب".
أما جلسات التطبيل الحزبية التي يعرفها السوريون جميعاً، فاحتفت بعيد الشهداء بمحاضرات عن قيم التضحية والدفاع عن الوطن، الذي في أذهانهم لا يمكن فصله عن نظام الأسد. أن يضحي أحدهم في سبيل الوطن فهو أن يضحي ذلك الإنسان في سبيل الأسد. كما لا تخلو هذه الجلسات من تكريم لأسر شهداء الجيش، ترضية لعوائل فقدت شبابها ومستقبلها ضحية لحرب فرضها عليهم نظام الأسد.
بل للقارئ أيضاً أن يطلع على الصفحات المؤيدة للأسد على وسائل التواصل الاجتماعي ليراها تحتفي بقادة "عظماء" كانوا شهداء حربه على "الإرهاب". ومن بين تلك العينات، على سبيل المثال لا الحصر، هلال الأسد وعصام زهر الدين. أولهما أحد أبناء عمومة بشار الأسد، وقائد سابق ومؤسس لمليشيا الدفاع الوطني (أو الشبيحة) في اللاذقية، والذي قتل عام 2014. هلال عرف عنه ترهيب الساحل السوري وقمعه للمظاهرات وتعذيب المتظاهرين، بينما وصفه النظام بأنه "أدى واجبه المقدس".
أما زهر الدين، والذي قتل عام 2017، فقد شملت جرائمه مساحة أكبر من الجغرافيا السورية، في مجازر عدة بحق المدنيين في حمص، والتل، ودير الزور، وغيرها. أمثال زهر الدين والأسد لا يزالون على رؤوس قطعاتهم العسكرية يقومون بواجبهم "المقدس" في سورية الأسد، فاسحين المجال لأمثال أمجد يوسف بارتكاب مجزرة التضامن، إن لم يكونوا قد أعطوا الأوامر مباشرة بارتكاب مثل تلك المجازر.
وهنا لا يسعني إلا أن أدعو لأن نستعيد عيد الشهداء من الهيمنة الأسدية، وأن نعيد له قيمته التي خصص لأجلها، لأن يكون يوماً لذكرى كل من ضحى لأجل حرية سورية وحقوق مواطنيها وحياتهم الكريمة، أن يكون يوماً لذكرى من سقطوا شهداء على يد آلة القمع الأسدية في أقبية مخابراتها أو في ساحات الحرية، أن يكون يوماً لشهداء سورية، وليس يوماً لذكرى قاتليها.