ليليان شعيتو جمعت كل مآسينا
مجدٌ من رمادٍ لبيروت، من دمٍ لولد حُمِل فوق يدِها، أطفأت مدينتي قنديلها، أغلقت بابها، أصبحت في المساء وحدها. وبرفقة هذا المساء وعلى ألحان أغنية فيروز لا يزال مشهد الرابع من آب بدقات الساعة السادسة وسبع دقائق حاضراً أمامي، بيروت أضحت منكوبة، خراب وأكوام من الردم والزجاج لونته الدماء وأشلاء متناثرة في كل مكان.
ليبدأ اللبنانيون رحلة جديدة من البحث عن حقوق الضحايا، بعدما أنهكتهم الأزمة الاقتصادية الاجتماعية الأسوء في تاريخ البلاد، والتي طاولت كل القطاعات ولا تزال مُستمرّة حتّى الساعة، من تدنّي العملة الوطنية وازدياد نسبة الفقر بشكل مرتفع جداً إلى خسران المودعين في المصارف لودائعهم والتي تُشكّل تعب وجنى أعمارهم، إضافةً إلى انهيار القطاعات الصحية والإجتماعية حيث بات اللبناني بلا دواء وبلا إستشفاء وأبسط حقوق المواطن غير متوفّرة وباتت مشاهد الذل من يوميات المواطن اللبناني سواء لحصوله على ربطة الخبز، أو الدواء أو الوقود، وحتّى السفر بات مٌحرّماً عليه فلا إصدار لجوازات السفر.
هذه الأزمات ليست وليدة ساعة، بل نتيجة حكم وإدارة منظومة فاسدة وقودها الطائفية ومنهجها المُحاصصة، نهبت البلاد وعاثت فيها فساداً وارتكبت أبشع الممارسات بحق شعبها، بالعودة إلى الحديث عن ضحايا جريمة مرفأ بيروت التي ارتكبتها المنظومة الحاكمة آنذاك ولا تزال.
ليليان شعيتو مواطنة لبنانية كانت يوم 4 آب قبل سنتين تشتري هدية لزوجها، وفي هذا اليوم المشؤوم أصيبت في رأسها وكانت إصابتها حرجة وصعبة، إستيقظت ليليان من غيبوتها محاصرة بأزمات بلدها المُتعدّدة، من قطاع صحي لا يمكنه معالجتها ومنحها الحد الأدنى من الرعاية الصحية المطلوبة، إضافةً إلى عدم تمّكنها وعائلتها من الحصول على وديعتهم المصرفية لمتابعة العلاج، لقد حاصرتها هذه الموانع ولكنها لم تنطق بها ربما لأنها ثانوية بالنسبة لما يختزن قلبها وعقلها، نطقت فقط ب" ماما" تُنادي طفلها ليعود إلى حضنها.
ربما لم تصدٌق ليليان أنّ زوجها تخلّى عنها، لا تزال تنتظر قدومه لتعطيه هديته التي خرجت لتجلبها له يوم الرابع من آب، لم تدرك أن الدمية البلاستكية التي بين يديها أحن من الذي حرمها طفلها، ومن حرمها طفلها؟ زوج تخلّى عنها ورحل في تصرفٌ يتنافى مع كل المعايير الإنسانية والقيم الأخلاقية، ومحاكم شرعية تعكس وجه النظام الفاسد إذ لا عدالة ولا مساواة بين الرجل والمرأة، هل يعقل أن تشارك الدولة بمؤسساتها المعنية بحرمان أم من طفلها ومن حرمانها للحصول على جواز سفر لزيارة طفلها في الخارج، إلى هذا المستوى وصلت الأمور!
إن قضية ليليان شعيتو تمثّل مآسي ومعاناة الشعب اللبناني بأكمله وهي قضية وطنية والسكوت عنها جريمة بحق الإنسانية، لقد اجتمعت كل ممارسات المنظومة الفاسدة بها، ومناصرتها ورفع قضيتها في كل الميادين والساحات هو واجب وطني وإنساني لكل مواطن حُر وهي لا ترتبط فقط بمظلومية ليليان بل بكل ممارسات المنظومة الحاكمة وأنظمة محاكمها الشرعية، لذا لا بد من المشاركة في المطالبة بإعادة الطفل إلى حضنها والاستمرار حتّى تحقيق المطلب، والعمل على تنظيم حملات واقعية وافتراضية في العالم الرقمي ومشاركة قصتها في كل المنصات والضغط على الجهات المعنية بكافة السبل، وكما نردّد دائماً ان ساحتنا الرقمية عنوانها الأول الإنسان قضيتنا.