لقاح كورونا المصري... نجاح علمي وإهمال سياسي
حدثت حالة من الارتياح المجتمعي في يوم التاسع عشر من شهر مارس/آذار الجاري بخبر أعلنته إحدى الفضائيات حول موافقة هيئة الدواء المصرية على بدء تصنيع عينات تجريبية من لقاح كورونا المصري "كوفي فاكس" لاستخدامها في إجراء التجارب السريرية.
وهو اللقاح الذي تم تطويره من خلال فريق علمي بالمركز القومي للبحوث التابع لوزارة التعليم العالي، ويعمل بتقنية "اللقاح المعطل" التقليدية، وتم الإعلان عن نجاح مرحلة التجارب ما قبل الإكلينيكية والتي تمت على أربعة أنواع من حيوانات التجارب، وكانت النتائج جيدة؛ حيث إن الأجسام المناعية بدأت في الظهور عند الأسبوع الثالث واستمرت حتى الأسبوع العاشر، ومضاعفة الجرعة الأولى نتجت عنها زيادة في توليد الأجسام المناعية، كما تلزمها إضافة جرعة تنشيطية عند الأسبوع الثالث من أول جرعة، ولا توجد أي وفيات بين حيوانات التجارب، وقد تم نشر تلك الأبحاث في إحدى أكبر الدوريات العلمية العالمية وتم اعتمادها علميا.
وبالتالي فقد أصبح اللقاح المصري جاهزاً لبدء المرحلة الأولى من التجارب الإكلينيكية على المتطوعين من البشر، والتي تبدأ بعدد قليل، ثم يزداد العدد تدريجياً في كل مرحلة مع توسيع دائرة الجنسيات المشاركة لضمان الفعالية والمأمونية، وذلك على مدى عدة أشهر، وتلزمها إجراءات حكومية وتنظيم عمل الجهات الإشرافية، وتوفير الاعتمادات المالية.
ويعتمد لقاح "كوفي فاكس" المصري في تركيبته على فيروسات تم إعدادها في المختبر بكميات كبيرة، تم تعطيلها باستخدام مواد كيميائية خاصة ترتبط بجيناتها فتوقف تكاثرها، ويسحب العلماء هذه الفيروسات المعطّلة عديمة التكاثر ويخلطونها بكميات ضئيلة جداً من مركب يحتوي على الألمنيوم كمادة مساعدة، الأمر الذي يحفّز الجهاز المناعي على الاستجابة المناعية ضد هذه الفيروسات. وهي تقنية قديمة منذ خمسينيات القرن الماضي كما في لقاح شلل الأطفال الفموي، وفي لقاح سينوفارم الصيني المستخدم حالياً.
بعد يومين فقط من اشهار نجاح اللقاح المصري عالميا، قامت وزيرة الصحة المصرية بالإعلان عن تلقي الدولة لعدة دفعات من "لقاح سينوفارم
وقد بدأ التداول الإعلامي بشأن لقاح كورونا المصري لأول مرة في تقرير لوكالة أنباء الشرق الأوسط يوم الثاني من شهر فبراير/شباط الماضي، حيث أكد المشرف على مركز التميز الفيروسي بالمركز القومي للبحوث أن المركز يمتلك تكنولوجيا الهندسة الوراثية العكسية اللازمة لعزل جميع الفيروسات، ومن بينها فيروس كورونا المستحدث، مؤكدا على الحاجة لتعاون أجهزة الدولة والدعم الحكومي وإتاحة التمويل.
وقد تم الإعلان في حينها أن أبحاث اللقاح يتم تمويلها من خلال موازنة المركز القومي للبحوث المحدودة، مع تمويل أجنبي من خلال منح من جهات بحثية عالمية، تشمل المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، وقسم الصحة والخدمات الإنسانية، وهي جهات حكومية أميركية.
ونظرا لندرة الاعتمادات المالية المخصصة من خزينة الدولة لمجال البحث العلمي، فقد أعلنت جامعة القاهرة عن توفير مبلغ أربعين مليون جنيه مصري (أي ما يعادل 2.5 مليون دولار أميركي فقط)، بحسب تصريحات رئيس الجامعة في شهر سبتمبر/أيلول، والتي أعلن فيها أن الانتهاء من إنتاج اللقاح المصري سوف يمتد لفترة زمنية قد تبلغ ست سنوات بحسب توفر التمويل اللازم لبدء إنتاج اللقاح بعد اعتماده علميا.
توفر الموارد المالية الداعمة لمواجهة فيروس كورونا في مصر:
وهنا تجب الإشارة إلى حصول الحكومة المصرية على عدد من القروض والمنح والمساعدات الدولية مخصصة لمواجهة الجائحة تحت مسميات مختلفة، وتشمل بصورة عامة: مليار ين ياباني (9.5 ملايين دولار)، منحة لا ترد، ومبلغ 2.77 مليار دولار من صندوق النقد الدولي كمساعدة طارئة، و50 مليون دولار من البنك الدولي، كاستجابة طارئة لمواجهة الجائحة. ثم 400 مليون دولار للهدف نفسه، وحصلت بعدها على 5.2 مليارات دولار من الصندوق أيضا.
ووفر بنك الاستثمار الأوروبي أخيرا خطا ائتمانيا بقيمة 425 مليون يورو لحساب بنك مصر لمواجهة تداعيات كورونا، وحصلت مصر على 600 مليون دولار من البنك الأوروبي. وقدّم بنك التنمية الأفريقي 225 مليون لمواجهة فيروس كورونا، بالإضافة إلى 89 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي. وكان وزير المالية قد أعلن عن توفير 100 مليار جنيه من الموازنة في بداية الموجة الأولى، ثم أعلن في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي عن وجود تكليف رئاسي بتوفير 200 مليار جنيه لمواجهة متطلبات الموجة الثانية لفيروس كورونا، وأوضح أنه سيتم توفير المبلغ من احتياطيات الموازنة.
نجاح اللقاح المصري علمياً لم يقابله دعم سياسي
ومن ناحية أخرى، وفي مؤتمر صحافي مع السفير الصيني بالقاهرة، وبعد يومين فقط من إشهار نجاح اللقاح المصري عالميا، قامت وزيرة الصحة المصرية بالإعلان عن تلقي الدولة لعدة دفعات من "لقاح سينوفارم" هدية مجانية من الحكومة الصينية. وأشارت الوزيرة إلى أن الحكومة المصرية بصدد إبرام اتفاقية مع شركة "سنوفاك بيوتيك" الصينية خلال شهر مارس الجاري لتصنيع لقاحها الواقي من فيروس كورونا في مصر. وذكرت الوزيرة أن مصر تأمل في أن تصبح مركزا لتصنيع اللقاح الصيني للاستخدام المحلي أو للتصدير إلى الدول الأفريقية أيضا. وأوضحت أن بداية وصول الأربعين مليون جرعة من لقاح كورونا من التحالف الدولي للقاحات "جافي"، ستبدأ بنهاية شهر مارس بوصول كميات من لقاح أسترازينيكا أكسفورد. ولم تصدر من وزيرة الصحة أي إشارة إلى بدء التجارب السريرية على اللقاح المصري وخطة إنتاجه.
وبالتالي وفي خطوات متتالية بعد الإعلان عن أبحاث وتجارب معملية حول لقاح كورونا المصري، جاءت تصريحات وزيرة الصحة المصرية الصادمة بالتخطيط لبدء تصنيع اللقاح الصيني في مصر، في حين أن عملية حقن المصريين بلقاح كورونا تبدو متعثرة إلى حد كبير؛ حيث أعلنت مسؤولة الأبحاث باللجنة العلمية بوزارة الصحة أن المعدل اليوم في حدود الألف مواطن، بما يعني احتياج مصر لعدة مئات من السنين لاستكمال نشر اللقاح بين سبعين بالمائة من المصريين لضمان نشر المناعة المجتمعية ضد الوباء.
وفي حين تعاني معظم دول العالم من صراعات حول توفير اللقاحات، فإن هذا يعزز من قيمة وأهمية اللقاح المصري كمنتج محلي من السهل توفيره، وخاصة أن الأموال موجودة والخبرات متوفرة. فهل تتجه الإرادة السياسية نحو دعم إنتاج لقاح كورونا المصري والبدء فورا بالإنفاق على التجارب السريرية ثم التصنيع، أم أن الأموال لها أبواب أخرى للإنفاق، مثل الكباري والمباني والقصور على حساب صحة وسلامة المواطن المصري؟