قانون دولي أم لإسرائيل ما ليس لغيرها؟
قواعد الحرب، ومعها القانون الدولي الإنساني، عبارة عن مجموعة قواعد دولية وُضعت عام 1949، وعُرفت حينها باتفاقيات جنيف، لتسُنّ ما يمكن وما لا يمكن فعله في وقت الحرب.
ولأنّ الإنسانية والحفاظ عليها، أسمى ما يصبو إليه المجتمع الدولي كاملاً، فكان جوهر تلك الاتفاقيات وملحقاتها، الإنسان. لكن، في حالة إسرائيل، يبدو أنّ إسرائيل وضعت نفسها فوق أيّة قوانين، أو قواعد دولية.
تقع اتفاقية جنيف وبروتوكولاتها في قلب القانون الإنساني الدولي، لتكون أساساً، مؤرخاً بنسخته الرابعة المنقحة والمعتمدة إلى اليوم، منذ 1949 بهدف حماية المدنيين في وقت الحرب، مع إجمالي 194 دولة موقّعة على الاتفاقية. لكن بوجود احتلال يميني متطرّف، يهدف إلى القتل من أجل القتل فقط، ومن خلفه دعم دولي موثّق بتصريحات رسمية، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، التي يواصل رئيسها، جو بايدن، تأكيد حق إسرائيل في فعل ما تفعله بذريعة "الدفاع عن النفس"، كيف يمكن تطبيق ذلك؟
وبعيداً أيضاً، عن غضّ البصر الذي تمارسه دول غربية عن أفعال إسرائيل، فإنّ الصورة على حقيقتها دون أقنعة التجميل الأميركية والأوروبية، هي أنّ إسرائيل، بالعموم انتهكت جميع بروتوكولات اتفاقية جنيف.
ولنكون أكثر تحديداً، فإنّ إسرائيل بتبنيها سياسة العقاب الجماعي في قطاع غزّة، تخالف بشكل صريح المادة الـ33 من الاتفاقية الرابعة، الخاصة بحماية المدنيين في كلّ مكان، بما في ذلك الأراضي المحتلة، والتي تحظر العقوبات الجماعية وجميع تدابير التهديد والإرهاب وتدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم.
كذلك تنتهك المادة الـ53 من الاتفاقية الرابعة، بتدميرها أكثر من 11 ألف وحدة سكنية في غزّة خلال حربها الأخيرة على القطاع.
الصورة على حقيقتها دون أقنعة التجميل الأميركية والأوروبية، هي أنّ إسرائيل، بالعموم انتهكت جميع بروتوكولات اتفاقية جنيف
وفي لمحة سريعة، إنّ الإعلام العالمي لحقوق الإنسان وثيقة صاغها ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والثقافية من جميع أنحاء العالم، ثمّ اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليُعلَن في 10 ديسمبر/ كانون الأوّل 1948، بموجب القرار 217 بوصفه المعيار المشترك على مستوى العالم.
فكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، سابقة تاريخية، ترجمت لأكثر من 500 لغة من لغات العالم، تحدّد حقوق الإنسان الأساسية التي يتعيّن حمايتها عالمياً، وهنا بيت القصيد، حيث لا حقوق محمية في قطاع غزة، بل إنّ إسرائيل انتهكت الإعلان من ألفه إلى يائه.
كاميرات التلفاز والصحافة والإعلام، ومن قبلها هواتف النازحين والمنكوبين والمتضرّرين المحاصرين في غزّة، جميعها رصدت مشاهد، يوثّق كلّ واحد منها انتهاكاً، فكلّ جسم متفجر أطلق على مدنيين في غزّة، وما أكثرهم، يسجل انتهاكاً إضافياً لرصيد الاحتلال الإجرامي، الذي ألقى ما يزيد على خمسة وعشرين ألف طن من المتفجرات، أو ما يعادل قنبلتين نوويتين فوق قطاع غزّة، بحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
في مقاربة بسيطة وسريعة، نرصد بعض مواد الإعلان التي انتهكتها إسرائيل منذ بدء عدوانها على القطاع، أو قبل حتى. فالمادة الأولى من الإعلان تقول: "يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وُهبوا العقل والوجدان، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء"، وهو ما لا يتوافق أبداً مع الحصار الذي يفرضه الاحتلال على غزّة منذ نحو سبعة عشر عاماً.
لا حقوق محمية في قطاع غزّة، بل إنّ إسرائيل انتهكت إعلان حقوق الإنسان من ألفه إلى يائه.
نقتبس من البند الثاني للمادة الـ(25): "... ولجميع الأطفال حقُّ التمتُّع بذات الحماية الاجتماعية..."، بينما استشهد في غزّة أكثر من أربعة آلاف طفل تحت سنّ الثامنة عشرة خلال العدوان الأخير، وقطع جيش الاحتلال الكهرباء عن حضانات الأطفال الخدج، في مستشفى الشفاء الطبي بمدينة غزّة، لتركهم يموتون.
وعليه، أصبح من المبرّر جداً، ما ترتكبه إسرائيل في حربها ضد قطاع غزّة من جرائم، فبينما يتكاتف المجتمع الدولي لفرض عقوبات على أعضاء من حركة حماس، وكلّ جهة تدعم أو تؤيد عملية "طوفان الأقصى"، يكتفي المجتمع نفسه بالتعبير عن الحزن والذهول والصدمة، وكلّ تلك المرادفات التي تعبّر عن سوء الحال، لمشاهد القتل والدمار في غزّة، دون أيّة دعوة صريحة، أو تحرّك جاد للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار، أو تجنّب استهداف المدنيين بأقل تقدير.
فعلى المستوى الدولي، لم يسبق يوماً أن فُرضت أيّة عقوبات على إسرائيل، ولم يسبق أن تمكن مجلس الأمن من تمرير أيّ قرار ليس في صالح إسرائيل، مع الفيتو الأميركي الحاضر دائماً، درعاً واقية للأمن الإسرائيلي على المستوى السياسي الدولي، ما جعل من العالم ومؤسساته الدولية، جداراً عازلاً، يعرّي مجتمعاً دولياً كاملاً، يتصنّع العدل والسلام بأقواله، وأفعاله تقول علناً: إنّ لإسرائيل ما ليس لغيرها.