في بيتنا زلزال

12 فبراير 2023
+ الخط -

عصف زلزال مدمر في عدة مدن سورية بحيوات الآلاف. عبارة واحدة تكررت على ألسن الجميع: "ما كان ناقصنا غير الزلزال"، حال البلد وأهله أضعف من أن تتم معالجة مريض مصاب بالتهاب البلعوم.

غياب تام لبعض أنواع الأدوية، فقدان كامل للمحروقات مما أنهك كل خدمات النقل، والأهم أن البشر في حالة استكانة وعجز وشعور عارم بلاجدوى الحياة، يأتي الزلزال، تنقلب الحياة، يستعيد السوريون والسوريات أهوال القصف وهدم البيوت والتشرد وانقطاع التواصل والعجز عن الاطمئنان على أحبتهم. هي الكارثة إذن! جاءت لتكمل الخراب المترامي والعجز الممتد.

لكن الزلزال استنهض حالة عامة مبشرة في التصدي لنتائجه الكارثية، استنهض السوريون وحدهم طاقاتهم المالية رغم شحتها، وطاقاتهم الإنسانية التي تفوقت على كل الحدود الجغرافية والديمغرافية والإنسانية وطعنات التفريق بين الشعب الواحد، والتمزيق المنهجي للبنية المجتمعية الأساسية على كامل أراضي سورية.

في طوابير التبرع، اصطف الأطفال وقد أخذوا معهم ألعابهم وحلوياتهم الغضة مثل أعمارهم، كل ما هو متوفر في البيوت تم إيداعه في مراكز تجميع المساعدات، بطانيات، فرش إسفنجية، ألبسة شتوية سميكة وحفاضات وأغذية وأدوية.

لا شك أنّ مثل هذه المحنة تستدعي تدخل دول خارجية وخاصة في رفع الأنقاض. وقد تجاوز الهدم حدوداً غير قابلة حتى للترميم ولا تسمح حالة البيوت التي لم تهدم حتى بعودة سكانها إليها.

استنهض السوريون وحدهم طاقاتهم المالية رغم شحتها، وطاقاتهم الإنسانية التي تفوقت على كل الحدود

يبدو التشرد والنزوح إلى مدن وأرياف أخرى جزءاً من يوميات السوريين منذ عام 2011، لكنهم لم يتعودوا على ذلك وإن قبلوا به مرغمين، وخيراً يفعل الإنسان حين يحافظ دوماً على حلمه وحقه بتجميل الخراب والبحث المستمر عن الكرامة في مأوى مناسب وكريم يراعي خصوصيته ووحدة العائلة.

استفاق السوريون على خراب لا يستطيعون لوم الطبيعة عليه، الطبيعة لا تقاوم، والطبيعة تريح نفسها كلما شعرت بالضيق، والبشر يسددون ثمن تنفس الأرض أو تحركها. تبدو المعادلة هنا بسيطة وأشبه بالحياة الطبيعية للبشر، لكن الزلازل فعل تمرد من بطن الأرض، فعل مدمر وغير قابل للتنبؤ للتقليل من خرابه ودماره. أمنا الأرض تحتج على ضيقها فتتحرك، ويجيء الموت محملاً على أجنحة تحركها المدمر.

تجاوزت لهفة السوريين والسوريات كل ما هو متوقع، ثمة تضامن فطري وعفوي ومندفع، تحولت منصات التواصل لمواقع عمل لإرشاد الناس على أكثر المناطق هشاشة واحتياجاً للخدمات: تطوع الكثيرون والكثيرات للعمل الإغاثي الطارئ والشامل ويبدو هنا من الواجب الإشارة إلى الخبرة التي بناها السوريون والسوريات وخاصة الشباب من انخراطهم بالعمل الجمعي ومؤسسات العمل التطوعي، بدا واضحاً حجم الخبرة المتراكمة عبر اثنتي عشرة سنة وتكررت الدعوة إلى تنظيم العمل وتوحيد الجهود من أجل تقديم واقع إسعافي أكثر جودة وأكثر استجابة للحاجات الملحة.

يبدو مما سبق أنّ المشهد وردي وأنّ حجم الكارثة قد تأثر إيجابياً بتلك الجهود وبذلك الحماس والغيرة الوطنية، لكن الحقيقة تبدو في مكان آخر تماماً، والمقصود حقيقة الوضع البشري، لأن العجز سمة عامة وما تم توزيعه وضخه الآن في حمأة الاحتياج سينفد بعد مدة قصيرة، وسيتحول الهاربون والهاربات من جحيم الدمار إلى عبء على أقاربهم الذين لجأوا إليهم وعلى مراكز الإيواء وعلى جيوب ومقدرة المتبرعين.

الكارثة تتطلب جهود دولة ومؤسسات ومساعدات خارجية ودعماً دولياً ومؤسساتياً متعدد الأوجه يلبي الاحتياج، والأهم والأكثر مجلباً للضعف هو عدم قدرة السوريين على بناء ما تهدم من بيوتهم التي صارت رماداً، فلطالما عجز السوريون والسوريات عن امتلاك منزل العمر بشروط إنسانية، وإن امتلكوه فذلك عبر الأقساط والديون طويلة الأمد.

في بلدي زلزال مدمر ابتلع الحجر والبشر، في كل بيت زلزال اسمه العجز، في بيتنا زلزال اسمه القلق والخوف والشعور الغامر بالوحدة، ليس للسوريين بواكي، ولا داعمين، لهم عجزهم وترقبهم وحياة لا تشبه الحياة.

سلوى زكزك/ فيسبوك
سلوى زكزك
مدوّنة سورية تقيم في دمشق. تكتب مقالات وتحقيقات صحافية. وصدرت لها ثلاث مجموعات قصصية. تكتب في مواضيع النسوية والجندر وتهتم بقضايا العنف الاجتماعي.