عملية أرئيل... فشل إسرائيلي جديد
أكدت عملية أرئيل الأخيرة فشل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بكلّ ما تملكه من تكنولوجيا وعدّة وعتاد في حماية مستوطناتها أمام الهجمات الفلسطينية التي تترصدها، وهو الأمر الذي لم تنكره وسائل الإعلام الإسرائيلية التي سلّطت الضوء على حيثيات العملية وتسلّل الشاب الفلسطيني، محمد صوف، إلى قلب المستوطنة، حيث نفذ عمليته التي استغرقت عشرين دقيقة كاملة، ما بين مدخل المنطقة الصناعية للمستوطنة وإلى غاية محطة البنزين، من دون أن تتمكن المنظومة الأمنية من التفطن لها، حيث نفذ المقاوم عمليته بكلّ ارتياح، وكان بالإمكان أن تكون الحصيلة أثقل لو كان يحمل سلاحا ناريا.
الاعتراف بالفشل جاء واضحاً عندما قرّرت قيادة الجيش الإسرائيلي إحالة بعض العسكريين إلى التقاعد ومعاقبة آخرين منهم بسبب عجزهم عن التصدّي للمقاومين الفلسطينيين، كما أحدثت سلسلة الاختراقات المتكرّرة للمستوطنات تراشق الاتهامات بالتقصير بين جهاز الشاباك من جهة، والمخابرات العسكرية القائمة على أمن المستوطنات من جهة أخرى، واستدعى هذا مناقشة خطة أسلوب الحماية العسكرية والنقاط الحساسة التي توجد على تماس مباشر مع أحياء فلسطينية بإمكانها أن تكون قاعدة لعمليات أوسع.
والواضح أيضاً من سلسلة الاختراقات الأمنية لدولة الاحتلال أنّ المقاومة قد تمكنت من فك الشيفرة الأمنية، وأصبحت قادرة على نقل الخطر من سياج غزة إلى قلب الضفة، وهو الأمر الذي سينعكس سلباً على الأوضاع في الضفة وينذر بالمزيد من التصعيد الذي قد يتحوّل إلى حرب خاطفة، فيما إذا قرّر الاحتلال "استئصال الداء" من جذوره، وهو ما يعني استهداف قيادات عسكرية من حماس والجهاد، تؤطر وتقدم كلّ المعلومات الأمنية للمنفذين الذين لم يكن بإمكانهم اختراق المنظومة الأمنية الإسرائيلية لولا توفر المعلومات الدقيقة عن الثغرات الموجودة في محيط المستوطنات، وهو ما يعني أنّ إسرائيل قد تذهب إلى تصفيات جسدية أو حرب خاطفة، تسكت بها الأصوات المنتقدة للفشل الأمني قبل أن يتحوّل إلى مطالبة حزبية بإسقاط رؤوس وأجهزة الدولة الأمنية والعسكرية.
الجغرافية المعقدة التي تضع المكوّن الفلسطيني في قلب المكوّن الإسرائيلي أكبر مشكلة تواجه إسرائيل
عام 2022 كان الأكثر دموية في الضفة الغربية منذ 2006، حيث سجلت العمليات مقتل ما يزيد عن 25 إسرائيليا، وقد كانت هذه العمليات وراء فشل حكومة نفتالي بينيت والفشل الانتخابي ليائير لبيد بعد فشله في إدارة الملف الأمني، كما مهدت لعودة بنيامين نتنياهو الذي من الواضح أنه سيستهل مشواره السياسي الجديد في ممارسة سياسة العقاب الجماعي ضد الضفة الغربية. وما هي إلا أيام معدودة وستتجه المنظومة الأمنية الإسرائيلية من خطة الدفاع إلى خطة الهجوم، وقد تضطر إلى التودّد إلى السلطة الفلسطينية بعد أن تأكد أنّ الشرخ الذي وقع في العلاقات بين الطرفين قد ساهم في نمو خلايا مقاومة وظهورها على العلن كعرين الأسود وكتيبة جنين. ولكن هل ستكون السلطة على استعداد للتنسيق الأمني مع حكومة نتنياهو؟ الإجابة طبعا لا، لسبب بسيط، وهو أنّ مشروع الدولتين قد أسقط، ولم يعد هناك ما يغري السلطة الفلسطينية بالتنسيق مع العدو، لكن المشكلة الأساسية التي تواجه السلطة الفلسطينية هو تخوّفها من أن تؤدي هذه العمليات المتزايدة في الضفة إلى زيادة شعبية حماس والجهاد، وأن تسحب البساط منها.
مما لا شك فيه أنّ إسرائيل لم تنعم بالأمن والأمان، حتى وإن اضطرت إلى تغيير رؤوس القائمين على منظومتها الأمنية أو اتجهت إلى سياسة الردع والعقاب الجماعي وفتح جبهة جديدة ضد غزة، لسبب بسيط وهو أنّ العمليات الفدائية تملأ الفراغ الذي أحدثه تعثر عملية السلام، وهي الحل الوحيد المتبقي للفلسطينيين للحفاظ على قضيتهم.
إنّ التشخيص الخاطئ الذي تقوم به إسرائيل لن يأتي إلا بنتائج غير مجدية وسيجعل المنظومة الأمنية تخفق في كلّ مرّة، مادام التهديد موجودا وبإمكانه إحداث الثغرة الأمنية في كلّ لحظة، خاصة أنّ الجغرافية المعقدة التي تضع المكوّن الفلسطيني في قلب المكوّن الإسرائيلي أكبر مشكلة تواجه إسرائيل، لذا فالأجدر أن تبحث إسرائيل عن حل لأمنها بإيجاد حل سلمي مع الفلسطينيين، وأن تدفع بجدية نحو حل الدولتين لا حل "الكانتونة المنسقة أمنيا"، وإلا فإنها ستدفع من خلال التصعيد الذي تقوم به إلى توافر خليط من المكونات التي ستدعم اندلاع انتفاضة ثالثة، ربما سينضم إليها حتى عرب 48 الذين يشعرون بأن إسرائيل دولة لا تزال تلفظهم.
وأخيرا، ستبقى دار لقمان على حالها إلى أن يأتي من يفهم أنّ أمن الإسرائيليين لن يتحقق بالمنظومة الأمنية.