شكراً لأسود الأطلس... شرّفتم كلّ العرب
خطّ "أسود الأطلس" اسم بلادهم بحروف من ذهب في حظيرة الكبار، بعد أن خاضوا مونديالاً ستعمّر نتائجهم المحقّقة فيه طويلاً في تاريخ كرة القدم العربية، وذلك لأنهم أوّل منتخب عربي يصل إلى مرحلة نصف النهائي من البطولة، ولا ننسى أنّ الذكاء الاصطناعي قزّم منهم باكراً (قبل بداية العرس الكروي) حين نال المغرب نسبة 0.01% من نصيب التوّقعات لنيله كأس العالم. ولكن الأداء البطولي لكتيبة الركراكي قادهم إلى مرحلة نصف النهائي ضد خصم عنيد يلعب للدفاع عن لقبه، لتكون الغلبة في النهاية للديكة الفرنسية بنتيجة هدفين لصفر، في مباراة قوية جعلت الفرنسيين يقضمون أظفارهم في بداية الشوط الثاني، بعد أن بدا "الأسود" أكثر عزيمة على قلب نتيجة المباراة، ولكن الخبرة وقلّة الحظ كان لهما دورهما، لتعبر فرنسا إلى المباراة النهائية، وليمرّ أسود الأطلس إلى مباراتهم مع كرواتيا، حيث يكفيهم شرف لعبها، وإن خسروا لا سمح الله.
استوقفتني تصريحات المدرب المغربي وليد الركراكي، الصغير بسيرته الذاتية والكبير بتواضعه وحبّه للوطن، حيث قال في حوار صحافي إنّ الأوروبيين يعتبرون العرب والأفارقة "جاهلين كرويا"، أو أنهم غير قادرين على رفع التحدي ضد كبار المنتخبات في اللعبة، وأنّه يصعب تخيّل مدرب أفريقي أو عربي على رأس نادي أوروبي عريق، وهي فكرة خاطئة، وقد جاء إنجاز المغرب في كأس العالم ليؤكد بطلانها، إذ، وبلاعبين غير معروفين على الساحة العالمية ومدرب محلّي، استطاع "العرب"، ولا أقول المغرب، أن يخرجوا "علية قوم" اللعبة، وأن يتصدروا المجموعة على حساب المنتخب البلجيكي القوي، وأن يقيلوا المدرب الإسباني لويس إنريكي، وأن يخرجوا اللاعب البرتغالي الشهير كريستيانو رونالدو من ميدان المباراة باكياً، وأن يخيفوا الفرنسيين... كلّ ذلك بلعب بسيط، وبخطة محكمة، وبقلب يملأه حب الوطن والرغبة في إسعاد أمة كاملة تهتف لأهدافهم وترفع الأيدي إلى السماء لطلب التوفيق.
أكد المغاربة بأنّ اللعب مع الكبار والفوز عليهم ومنافسة حامل اللقب على بطاقة النهائي أمر غير مستحيل
لقد أكد المغاربة، الذين لعبوا الأدوار الحاسمة باسم العرب والأفارقة جميعا، أنّ اللعب مع الكبار والفوز عليهم ومنافسة حامل اللقب على بطاقة النهائي أمر غير مستحيل، خاصة إذا كانت الثقة موجودة في نفوس اللاعبين الذين قدموا كلّ مجهوداتهم لكسر القاعدة، التي تتوّقع نتائج مباريات العرب ضد خصوم اللعبة الكبار قبل بدايتها وخروجهم من الدور الأول أو ثمن النهائي كأقصى نتيجة إيجابية يمكن تحقيقها، كما فتحوا الباب واسعاً لطموح المنتخبات العربية الأخرى، التي وإن شاركت في مونديال أميركا 2026، فإنّ مشاركتها ستكون مفعمة بروح الإنجاز المغربي الذي تحقّق في قطر، وسيكون العرب أكثر إصرارا وأكثر إيمانا بالنفس في الاستحقاقات الكروية القادمة، وسيكون فوز السعودية على المرّشح الأبرز لنيل اللقب عالقاً في أذهان كل لاعب عربي سيشارك مستقبلاً في هذه البطولة.
برهن "أسود الأطلس" للعالم جميعا أنّ الكرة العربية بإمكانها أن تنافس على لقب، لطالما بقي محصوراً بين القارة العجوز وأميركا اللاتينية، وبرهن الركراكي أنّ الإيمان بالإمكانيات أحد مقادير وصفة الفوز ضد من يتفوّق عليك بلغة الأرقام، ويتوفر على إمكانيات أعلى ولاعبين بقيمة سوقية خيالية وتاريخ كروي حافل بالإنجازات.
ما أغلى أن ترى علم فلسطين يرفرف في ميدان المباراة بعد كلّ فوز حقّقه المغاربة
خسارة الأمس للمنتخب المغربي كانت بطعم الفوز، ومشوار المغرب في مونديال قطر ربما سيذكره التاريخ طويلاً وتتناقله شعوب العالم العربي جيلاً بعد جيل، وسنبقى نحلم بأن يكون هذا الإنجاز المغربي فاتحة إنجازات أخرى سيحققها العرب في لعبة الكبار، ولما لا مشاهدة فريق عربي في مباراة نهائية أو حتى رفع اللقب، فالكرة العربية ولادة، والروح القوية التي يمتلكها اللاعب العربي قادرة على إسقاط أيّ منتخب كبير، مهما كانت الفوارق في القيمة المالية أو التاريخية له، وقد فعلها سابقا محاربو الصحراء، حيث لا يزال التاريخ يذكرهم بعد أن كانت فضيحة ترتيب المباراة بين النمسا وألمانيا سبباً في إقصائهم وسبباً في تغيير قاعدة من قواعد البطولة.
نسجل كلّ الاحترام وكلّ التقدير لكتيبة "أسود الأطلس"، التي جمعت العرب من المحيط الى الخليج أمام شاشة التلفاز لدعم منتخب رفع رأس العرب عالياً، ووحد الشعوب التي فرقتها الحدود والخلافات السياسية والعصبية القبلية والندية الكروية، فما أجمل أن ترى الجزائري وهو يشجع المغرب على الرغم من جفاء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وما أروع أن ترى الصحافيين المصريين بقميص المنتخب المغربي، وكأنّ مصر هي المعنية بنصف النهائي، وما أغلى أن ترى علم فلسطين يرفرف في ميدان المباراة بعد كلّ فوز حقّقه المغاربة.
إلى أن يأتي مونديال 2026، نتمنى للمغرب كلّ التوفيق في مباراته الترتيبية التي ستكون مباراة العرب جميعا.