رسالة ترحيبية بعام 2025
عبد الحفيظ العمري
لو تساءلنا ماذا حدث ليلة الأول من يناير / كانون الثاني الجاري؟
لكانت الإجابة: إنّ البشر المرتبطين بالتقويم الميلادي على كوكبنا هذا قد خرجوا من عام 2024، بكل خسائرهم وإخفاقاتهم، إلى باحة العام الجديد الذي هو على التقاويم 2025.
وهل يستحق هذا كلّ هذا الضجيج؟!
الحقيقة: لا ألوم أحداً يريد أن يحتفل، فهو حر.
لكن بماذا يحتفل؟
بعام جديد؟
حسناً.. ما الجديد فيه؟
هل هو تبديل التقويم الميلادي للرقم 5 بدلاً من الرقم 4؟
لا ننسى أن التقويم مجرد اصطلاح، مثل أي اصطلاح تعارف عليه البشر، فلو اصطلحنا على أن تكون السنة مكوّنة، مثلاً، من 500 يوم، لكنا الآن لا نزال في عام 2024، بل ربما في عام 2023!
فتوالي الأعوام على البشر مجرد اصطلاح، وله أسبابه التي يعرفها كلّ مطّلع على كواليس صناعة التقاويم..
حسناً.. ها هو عام 2025 قد أهلّ علينا، أو ربما نحن الذين أهللنا عليه، لا فرق..
لقد صرنا نكتب على أوراق معاملاتنا الرسمية وغير الرسمية: 2025 بدلاً من 2024، وبدأ شهر يناير/ كانون الثاني في الجريان، إن صح التعبير، فماذا نقول؟
إن عام 2025 هو منتصف العقد الثالث من الألفية الميلادية الثالثة، هنا الحديث عن بُعد الزمان، أما بعد المُكان، فهو على الإجمال، الكوكب الثالث من كواكب المجموعة الشمسية، ذلك المُسّمى الأرض..
فيا عام 2025، مرحباً بك في كوكب النفاق!
بدايةً، أرجو ألا تصدّق كل هذه الاحتفالات بمقدمك الميمون؛ فهم يؤدون طقوساً، مجرد طقوس خالية من الحياة.
إنهم ينشدون:
(المجد لله في الأعالي).. وهم لا يعترفون بوجوده، وإذا اعترفوا، فسيكون إلهاً على شاكلتهم؛ يقف بجوار القوي ضد الضعيف، إله دارويني / نيتشوي/ ميكافيللي، كما هو سائد في غابة الكرة الأرضية!
(وعلى الأرض السلام).. حقيقة لا أعرف هذه الأرض التي يسود عليها السلام؟!
لأن نظرة على خريطة كوكبنا الجميل تريك ألسنة الدخان تتصاعد من كلّ قارة، لذا فتلك الأرض التي يسود عليها السلام، من المؤكد أنها ليست على كوكبنا المشتعل..
وأي سلام يقصدون؟
سلام الشجعان المستحيل، أم سلام منظمة الرعب الدولية المسماة الأمم المتحدة بمجلس الخوف الذي يتحكّم به دعاة السلام النوويون؟ والتاريخ يحفظ لنا أنهم الذين اقتسموا برلين التي تحطمت بعد حرب ضروس أكلت الأخضر واليابس طوال خمس سنوات عجاف، لقد اقتسموها عام 1945، ومن يومها وهم يتقاسمون العالم.
(وللناس المسرّة).. مَنْ هم هؤلاء الناس؟ وما هي المسرّة التي لهم؟
هل هم من طينة البشر المنتمين لأبينا آدم عليه السلام؟
طبعاً، يقصدون البشر البِيض وليس الملونين، البشر الذين يعيشون خارج جغرافية الموت المسماة الوطن العربي الكسير، أو بلغة إعلامهم: الشرق الأوسط.
بشر المركزية الأوروبية أو الإمبريالية الأميركية، ومن دار في فلكهما، الذين يتحدثون عن السرور المزعوم وهم يشاهدون أهالي الخيام على أرض الرباط يُقتلون أمام الشاشات منذ أكثر من 450 يوماً متوالية؟!
أيها العام الجديد، لو بُعث السيد المسيح، عليه السلام، اليوم، لتبرّأ مِن كل البشر، ومِن كل مَنْ يحتفل باسمه في العام الجديد.
ولو بُعث أخوه محمد، عليه الصلاة والسلام، لتبرّأ هو الآخر من كل المسلمين، اسماً، وهم يتفرجون على إخوان لهم يُقتلون دون أن يحركوا ساكناً، بل يسود صمت القبور..
عفواً، ليس صمت القبور، بل صخب حفلات المواسم الغنائية التي لا تبالي بما يجري.
هذا هو حالنا أيها العام الجديد.
أعرف أنه بداية صادمة وتعيسة، ولا تُشجّع على البقاء، لكن لا تخف، فأنت مجرد كائن سيبراني لا وجود له إلّا في مخيلتنا واصطلاحاتنا نحن البشر..
أيها العام الجديد، في عالمنا الأرضي عليك أن تترك التعجّب مما يجري جانباً، لأنك ستدخل إلى بلاد العجائب، بل كوكب العجائب والنوائب!
لقد قال شاعرنا العربي أبو العلاء المَعرّي:
مَن كان يَطلبُ مِن أيّامِهِ عَجبًا / فلي ثمانونَ عاماً لا أرى عَجبا
الناسُ كالناسِ والأيامُ واحدةٌ / والدّهرُ كالدّهرِ والدنيا لمَن غَلَبا
وعَجُز البيت الثاني: والدنيا لمَن غَلَبا، هي خلاصة حياتنا الأرضية في زمننا المعاصر..
***