حلول قسرية في مواجهة برد الشتاء
يتفق الجميع على أن الأرض عجزت عن تقديم حلول لمشاكل حياة البشر اليومية خاصة في بلاد الفقر والحاجة ونقص الخدمات الرئيسية حتى تكاد أن تكون معدومة.
في ظل استنكاف المؤسسات المسؤولة عن تدبير أمور رعايا وسد الفجوة الحاصلة نتيجة تضافر عوامل الإهمال والفساد والفقر والضيق الاقتصادي والاستنكاف المعلن وغير المعلن عن القيام بالواجبات المطلوبة، يطلب من الناس عامة إيجاد حلول لتلك المشاكل العصية على الحل، يظن الجميع أن النساء يملكن عصا سحرية لتدارك العجز العظيم الحاصل والذي يتوسع بقسوة مفرطة.
منذ بداية شهر أيلول توجهت سناء وأمها إلى محلات بيع الألبسة المستعملة، كانتا تبحثان عن شيء محدد: ملابس صوفية قابلة لإعادة الحياكة، وهذا النوع بات نادرا بعد سيطرة بضاعة من خيوط البوليستر والخيوط الصناعية أو من خيوط غير قابلة للحياكة اليدوية.
لم تبحثا عن ألوان محددة أو نقشات جميلة ومقاسات مناسبة لهما، المهم هو خيط صوفي أو قطني سميك ومتماسك.
وجدتا ضالتهما لكن بصعوبة، وتفرغت أكثر من تسع سيدات لفتق الكنزات وإعادتها إلى صيغتها الأولى وهي الخيوط التي تم جمعها ولفها بعد ترطيبها بالبخار على شكل كرات كبيرة.
تجتهد السوريات للتكيف مع حياة قاسية ومجحفة بكل تفاصيلها، يثبتن أن الحلول وسع أياديهن وملك قلوبهن العامرة بالمحبة والأمل والمسؤولية والإصرار على حماية الحياة
انتقل العمل إلى المرحلة الثانية وهي جمع الخيوط بطريقة مزدوجة، أي تسميكها إن صح التعبير لتصبح كتيمة ومقاومة للبرد فعليا، وبدأن بحياكتها بسنانير عريضة وثخينة تناسب حجم الخيوط، لا تتطلب هذه الطريقة من الحياكة صنعة بارزة ولا خبرة فنية معتقة، بدأت النسوة بحياكة الخيوط وكأنها بساط طويل وممتد، سيكون صالحا بعدها لتحويله إلى غطاء للقدمين أو الكتفين، وربما وبعد خياطته بعدد من القطب في أماكن محددة إلى جاكيت فضفاض يمكن أن يلبسه كل أفرد العائلة مهما اختلفت حجوم أجسادهم، وهذا يضمن سهولة التحرك به وسهولة قضاء أعمال المنزل والكتابة أيضا.
فرحت النساء بما جنته أياديهن ويبدو أن ثمة عدوى انتقلت لنساء أخريات وبدأن بالتقليد أو ربما بتكرار إعادة التدوير ليحصلن على منتجات مماثلة لكن ببصمة فنية مختلفة، تحولت العدوى إلى فرصة لتبادل الخبرات في إبداعات متنوعة وتعميمها بشكل أوسع.
على المقلب الآخر، حولت أسمهان قطعة أرض صغيرة إلى مصنع لإنتاج الأعشاب والنباتات الصحية، أو ما يطلق عليه بالزهورات، زرعت إكليل الجبل والمريمية والبابونج والزعتر والنعنع، رعتها بعناية وقطفتها بحرص بالغ، جمعت أزهار الليمون الساقطة بفعل الهواء او لأسباب أخرى وجففتها وقصدت الحرش القريب لتقطف عشبة الزوفا وأوراق الغار وحباته السوداء الممتلئة بالزيت.
كان العمل مجهدا ويحتاج صبراً ووقتا طويلاً، لكنه ضروري، جمعت كل صنف بمفرده بعد تجفيفه وتنظيفه من الأعشاب الغريبة، لجأت إلى النت لتطابق عددا من الأنواع المناسبة مع بعضها، وضبت بأكياس صغيرة عينات من كل نوع بمفرده بشكل مستقل، وفي أكياس أخرى صممت خلطات طبيعية آمنة ومحببة، وباعتها كلها في بيتها، كانت ترفق كل كمية تبيعها بنصائح محددة للاستعمال وطريقة الخلط والكمية المثالية لتحقيق الاستفادة القصوى.
طالما كررت أسمهان أن مشروعها المضني هو الحل الأفضل والأكثر أمنا وتوفيرا لمواجهة برد الشتاء القارس وأمراضه وأعراضه منطلقة من قاعدة شعبية تقول: إن البرد سبب كل علّة. وكان لديها وحدها الحلول الآمنة والسريعة والرخيصة لمواجهة شتاء لا يرحم وحياة تخلو من كل عوامل القوة والأمان.
تجتهد السوريات للتكيف مع حياة قاسية ومجحفة بكل تفاصيلها، يثبتن أن الحلول وسع أياديهن وملك قلوبهن العامرة بالمحبة والأمل والمسؤولية والإصرار على حماية الحياة ومواصلتها رغم كل القسوة التي فرضها الخراب والتنصل من المسؤوليات والواجبات، إنهن يجعلن من أماكن وجودهن فسحة صالحة للعيش.