ترامب يستدعي ذكرى فان غوغ
تذكِّرنا محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالفنان الهولندي فان غوغ الذي قطع أذنَه ليقوم برسمها. ذكرى يستدعيها ترامب بحفاوة وبسخرية، فالأمر مشابه، فالفنان قطع أذنه بغية رسمها وترامب أصاب أذنه بغية الفوز بالانتخابات. وجهان هيستيريان لغاية واحدة.
قطع فنسنت فان غوغ أذنه نتيجة نوبة هوس من اضطراب ثنائي القطب، هذه النوبة تسبَّبت بجنون عظمة بالغ ودفعته إلى عمل جنوني. أيضًا بالمقابل أصاب الرئيس السابق أذنه في حملته الانتخابية في محاولة اغتيال نفسه، أيضًا هو الآخر دخل في ذهان جنون العظمة الذي سبَّبته الأجواء الحماسية للانتخابات في أميركا. إذ حدثت محاولة اغتيال دونالد ترامب في 13 يوليو 2024، حيث أُصيب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في إطلاق نار في أثناء عقده تجمُّعًا انتخابيًّا في بتلر، بنسلفانيا. وفقًا لشهود وفيديوهات، كان ترامب ينزف من أذنه اليمنى بعد إطلاق النار الحيّ أو المطاطي عليه.
إنَّ نظرية المؤامرة ليست سيئة إلى هذا الحد، فالبعض يعتقد أنه اغتيال حقيقي من تنفيذ الدولة العميقة في أميركا، ولكن هذه أيضًا نظرية مؤامرة سياسية، وتعني أنَّ هناك جماعات سرية تتحكَّم في الحكومات، والبعض الآخر يعتقد أنه اغتيال ذاتي مدبَّر، وهي نظرية مؤامرة تاريخية مثل فرضيات حول من يقف وراء اغتيال شخصيات مهمة، وباعتقادنا أنه يمكن التحقُّق من نظرية المؤامرة من خلال ما تحقِّقه من نبوءة ذاتية التحقُّق. فعلى سبيل المثال، حادثة محاولة الاغتيال لترامب لم تدعم الدولة العميقة، بل صبَّت في مصلحته مباشرة، لذا لا يمكن استبعاد نظرية المؤامرة، فهي تُعرَف بنتائجها وتحليلاتها السريعة بناءً على أحكام انطباعية، فضلًا عن أنَّ منفِّذ محاولة الاغتيال إنسان عادي يعيش الحلم الأميركي ولا يحفل بخلفية عسكرية أو إجرامية.
وإنّ من يريد اغتيال شخص كترامب؛ لا بدَّ له من خبرة وخلفية حتى يحقِّق هدفه على أكمل وجه، ثمَّ إنه جرت تصفية منفِّذ الهجوم توماس ماثيو كروكس على الفور، وهو أمر أثار الريبة. لماذا لم يُحقَّق معه ويُكتشَف سرُّه، أغلب الظن أنه وُظِّف بالوكالة وقُتِل مباشرة. يؤكِّد كلامنا على المؤامرة قول المتحدِّث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، للصحافيين: "لا نعتقد أنَّ محاولة اغتيال ترامب من تدبير السلطات الحالية، لكنَّ الأجواء المحيطة بالمرشح ترامب أفضت إلى ما تواجهه أميركا اليوم".
لو أنَّ ترامب لم يصب أذنه، ربما ما كان سيبقى على المقدرة السياسية ذاتها، ولكنه الآن يستقطب شرائح متنوِّعة من الجمهور المتعاطف معه والفضولي
في عالم السياسة، يمكن أن تُستخدَم أساليب مثيرة للجدل للوصول إلى مكاسب معيَّنة. أحد هذه الأساليب لعب دور الضحية. تُعتبَر محاولة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، التظاهر بمحاولة اغتيال نفسه، مثالًا على استخدام هذه الاستراتيجية لتحقيق أهداف سياسية. من خلال تصوير نفسه ضحيةً لمؤامرات معادية، يسعى السياسي لاستدرار تعاطف الجماهير وكسب دعمهم، كما يعزِّز موقفه في مواجهة خصومه. هذه الخطوة يمكن أن تثير التعاطف وتعزِّز الولاء، ما يساعد على تحقيق مكاسب انتخابية أو شعبية. اللعب على مشاعر الجماهير واستغلالها يعتبر سلاحًا قويًّا في يد السياسيين الذين يعرفون كيفية استخدامه بمهارة لتحقيق أهدافهم.
لو أنَّ ترامب لم يصب أذنه، ربما ما كان سيبقى على المقدرة السياسية ذاتها، ولكنه الآن يستقطب شرائح متنوِّعة من الجمهور المتعاطف معه والفضولي. ما حدث عزَّز من موقفه ضحيةً للعنف السياسي، وربما ساهم في زيادة تأييده بين أنصاره الذين يرون فيه رمزًا للصمود في وجه ما يعتبرونه هجمات غير عادلة عليه.
هذه الحادثة قد تفتح بابًا جديدًا أمام ترامب في مسيرته السياسية، حيث يمكن أن يستغلَّها لزيادة شعبيته وتوسيع قاعدته الانتخابية. قد يجد ترامب في هذا الحادث فرصة لتعزيز رسالته بأنه يقف ضد النظام القائم ويواجه تهديدات مستمرة، ما قد يعزِّز من تأييد مؤيِّديه وزيادة التفافهم حوله. والحادثة أيضًا تلقي بظلالها على المشهد السياسي الأميركي بشكل أوسع. فقد تثير تساؤلات عن أمن المرشَّحين للرئاسة وتدفع باتجاه مراجعة السياسات والإجراءات الأمنية المتَّبعة.
بعد حادثة محاولة الاغتيال لترامب، أصبح السباق نحو البيت الأبيض أكثر حدَّة، فبايدن تنحَّى لضعفه وهاريس -نائبة بايدن- خلفته عن الحزب الديمقراطي، وفي ذات السياق، قال المرشح الجمهوري دونالد ترامب لشبكة "سي إن إن" في أوَّل تصريح له بعد إعلان منافسه الانسحاب إنه يعتقد "أنَّ هزيمة كامالا هاريس ستكون أسهل من هزيمة بايدن".