بين حب ميسي ورونالدو وكرههما
مللت الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي عن النجم الأرجنتيني، ليونيل ميسي، عند تألقه أو حتى حين يفعل ذلك البرتغالي كريستيانو رونالدو. لماذا مللت؟ هنا السؤال الذي يطرح نفسه، فبعد كلّ هذه الإنجازات التي حقّقها اللاعبان تجد من يقلّل من قيمتهما حتى اللحظة.
يقول تشارلز داروين، إنّ المشاعر تخدم غرضاً للبشر في التواصل، وكذلك في المساعدة على بقائهم، ثم جادل وليام جيمس في عام 1884 الأمر بشكل أوسع، وطرح فكرة حول كون المشاعر والأحاسيس من الأمور الثانوية للظواهر الفيزيولوجية، أي أنّ هناك محفزات تثير نشاط الجهاز العصبي اللاإرادي الذي ينتج تجربة شعورية في الدماغ، وهو ما وافقه عليه عالم النفس الدنماركي، كارل لانج.
كان هذا المقطع بالنسبة لي مهماً لأنطلق في حديثي، محاولاً الغوص في ما يعيشه المشجع المولع برونالدو أو ميسي، مع محاولة تقبّل نقطة معينة: هل مشاعر الخيبة أو الغضب أو الحزن هي التي تدفعه إلى إنكار ما قدّمه المنافس؟ أم أنّه حقد لشخص لم تلتق به يوماً في الواقع، بل تابعته من خلال شاشة صغيرة يضرب كرة بقدمه، مع العلم أنّ كلمة حقد وحسب ابن منظور، تعني إمساك العداوة في القلب والتربّص لفرصتها.
البداية من المقطع الأول وهو المشاعر، مثلاً أتفهم خيبة المشجعين حين يتفوق رونالدو على ميسي أو العكس، حين يعتلي لاعب على حساب آخر منصة التتويج، يحصد لقب أبطال أوروبا أو ربما كأس العالم، أو حتى جائزة اللاعب الأفضل على هذا الكوكب الغريب، والذي مهما ظننت أنّك تفهمه ترى نفسك ذرّة لا يمكن رؤيتها بالعين المجرّدة وليس إبرة في طن قش.
أشعر بأنني أريد رؤية ميسي يحمل لقب كأس العالم، لكن في الوقت عينه أزعجني خروج رونالدو، وتفاعلت مع بكائه ودموعه الحقيقية
على العموم أنا على المستوى الشخصي لديّ نفس التجربة لكن بطريقة مختلفة، لا أعرف السبب لكنها في النهاية أحاسيس، ففي بعض الأوقات أشعر أنني أريد رؤية ميسي يحمل لقب كأس العالم، لكن في الوقت عينه أزعجني خروج رونالدو، وتفاعلت مع بكائه ودموعه الحقيقية، هو في النهاية إنسان، وليس آلة كما يراه البعض، أي "ماكينة تسجل أهدافاً" ثم نقطة على السطر وعبارة جديدة وأنّ حياته رغم ملايين الدولارات "la vie en rose". ليست الأمور بهذه البساطة بل هي معقدة أكثر من ذلك فعلياً، وهناك دراسات علمية تتناول الجانب المعنوي وتأثيره على الجميع.
في عام 2015، أُجريت دراسة قام بها فريق بقيادة باناجيوتيس غكورزيس من جامعة أرسطو في ثيسالونيكي، واختبر تأثير الرياضة على أداء العمل اليومي، ولوحظ كيف تؤثر الخسارة على الشخص في اليوم التالي، وكيف يلعب الانتصار دوراً تحفيزياً بعد مرور الوقت. ويرى الباحثون أنّه عندما يكون مشجعو كرة القدم غير راضين عن أداء فريقهم، فإنهم يعانون من تأثير سلبي يجعلهم أقل مشاركة في عملهم، ما يؤدي بدوره إلى أداء وإنتاجية أقل.
على العموم أطلت الحديث كثيراً في هذا الجانب، وعليّ الالتزام بعدد كلمات معين، كما أنني لست جاحظ زماني حتى أستطرد ثم أعود إلى القصة الأساس، لكن الأهم بالنسبة لي هو تفهّم مشاعر الأشخاص الذين لا يحبون رونالدو أو ميسي، ويتمنون عدم تحقيقهم للقب أو إنجاز، وربما أتفهم أيضاً جزءًا من الحقد غير المباشر تجاههما.
يبقى أمرٌ واحد لا يُمكنني تقبّله، بعد هذه السنوات في الملاعب، أهداف تجاوزت الخيال والمعقول، إبداعُ الأرجنتيني (ميسي) مع برشلونة والمنتخب رغم كلّ الصعوبات، فيما أوصل رونالدو البرتغال إلى القمة ورفع راية ريال مدريد عالياً وقبلها مانشستر يونايتد، ثم يأتي شخص ليقول فلان ليس جيداً! وهو فقط لاعب مبالغ فيه ولا يستحق هذه القيمة التي يحصل عليها من قبل الإعلام والمشجعين. صحيحٌ أنّنا عشنا في جلبابهما لسنوات، لكن فعلياً ومنطقياً، وبعيداً عن الهالة التي حصلا عليها: هل كان هناك لاعب طوال هذه السنوات قادراً على الوقوف أمامهما لنفس المدة الزمنية، مع وجود بعض الاستثناءات لعام أو اثنين فقط؟ الجواب ببساطة: "كفاية".