بين برلين وفيينا

12 يوليو 2023
+ الخط -

أرسم صورة مفرحة في ذهني، وأنا أهمّ بركوب باص النقل الداخلي، هنا، في النمسا. المحطة التي أنوي الذهاب إليها لا تبعد أكثر من عشرين دقيقة بالباص عن أقرب محطة من مكان إقامتي، وهي عبارة عن قطع نحو ست محطات بالباص الحكومي.

في المحطة الأخيرة، محطة التوّقف، يبدو أنّ النعاس غلبني لشدّة الإرهاق والتعب اللذين كنت أعاني منهما، فتجاوزت المكان الذي عليَّ النزول فيه. وقبل توقّف الباص في المحطة التالية، أدركت ما أنا فيه، فهيّأت أغراضي وحقيبتي اليدوية التي أحمل بها بعض لوازمي الخاصة، لأصل إلى الموقف وأنزل في المحطة القادمة، ثمّ أتوجّه مشياً على الأقدام إلى حيث وجهتي الرئيسية، أي مكتبة "تاليا" التي يحلو لي فيها القراءة والاستمتاع ببرودة الطقس وحسن تنظيمها، وتنجلي المتعة أكثر بالكتابة وتدوين ما يمكن أن يخطر على البال. 

حكايات وألوان من الأحاديث والخواطر، وتجميع للذكريات لمحاولة طرحها بأسلوب ناضج وقريب إلى قلوب القرّاء، وهذا ما يمكن أن يبعث فينا نفحاً من السعادة التي نبحث عنها، والارتقاء بسلّم الحاضر بعيداً عن الماضي الذي يستجرّنا للانغماس فيه، فيما نحاول جاهدين تناسيه وتجاوزه!

أتطلع من نافذة مكتبة "تاليا" إلى المارة الذين يتطلعون إلى قضاء يوم مشمس ومفرح في آن معاً، وذلك بعد غياب استمر لأشهر عن إشراقة الشمس التي كنا نستمتع بها في بلادنا التي رحلنا عنها عنوة، فالشمس في بلادنا، بالكاد تغيب عن الظهور.

 وفي هذه البلاد الجميلة المثيرة للإعجاب تعوّدنا غياب الشمس الدائم واختفاءها، والاكتفاء بإشراقات باهته لا أمل منها. وعلى الرغم من ذلك الغياب القسري عن أوطاننا، إلّا أنّ البلاد التي نعيش فيها اليوم يغلب عليها الأمان والاستقرار، والمواطن فيها يعيش في راحة بال، وهذا الأهم.

رغم الغياب القسري عن أوطاننا، إلّا أنّ البلاد التي نعيش فيها يغلب عليها الأمان والاستقرار، والمواطن فيها يعيش في راحة بال، وهذا الأهم

في مدينة برلين، تكون الشمس أكثر حدّة منها في عاصمة النمسا، فيينا، فالشوارع فيها عريضة والأرصفة واسعة في أغلبها، وخاصة تلك الموزّعة في الأحياء الرئيسية، لدرجة أنّه لا يمكنك أن تقارن بين أرصفة فيينا وأرصفة برلين التي تفوقها من حيث المساحة والاتساع. وما يميّز فيينا (بعد أن تترك برلين وتهمّ في الدخول إلى أراضيها، وتتنفس بلا شك أجواءَها الباردة الرائعة التي تنعش القلب) حقول العنب التي تشتهر بها على مدّ النظر، فضلاً عن الانضباط والنظافة التي تتغنّى بها.

تظل "فيينا" بلاد الدانوب الأزرق وموطن أحلام المفكرين، ويستأنس المرء بهوائها العليل، وإن تغلبت عليها "برلين" بالصناعات الرائدة، في مجالات الهندسة الكهربائية والإلكترونية والكيماويات والزجاج والسيراميك، وكذلك في مجال الصناعات البصرية والدقّة... أضف إلى ذلك أنّ عدد سكان "برلين" يتجاوز الـثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، وهذا بالتأكيد يحتاج إلى كادر فنّي كبير وعمّال نظافة كثر للإقلاع بخدمتها والحفاظ عليها كمدينة ألمانية لها اسمها وشهرتها، ولا يمكن أن نقارن ذلك بمدينة فيينا التي لا يتجاوز عدد سكانها المليون والسبعمائة ألف نسمة.

 وفي هذا الاستعراض لا يمكننا أن نغفل أنّ ألمانيا، هي ثالث أكبر قوّة صناعية في العالم بعد الولايات المتحدة واليابان.

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.