النساء والحرب
عند إشارة الناشطات المناهضات للحرب إلى الأذى الشديد الذي تلحقه الحرب بالنساء، إنما يفعلن ذلك ضمن سياق مطالب العدالة، ووضع حد لإفلات المجرمين من العقاب، ودعم حقوق النساء في المشاركة في عمليات السلام الرسمية والشعبية، بدءا من لجان المصالحة في الأحياء أو التجمعات السكانية الصغيرة وصولا إلى أعلى مراكز صنع القرار ومنها مركز صناعة قرار وقف الحرب.
لا تقتصر آليات الحماية أثناء الحرب على رفض المعارك الدائرة الآن، بل ينبغي التركيز على الأذى الناجم عن العسكرة نفسها، خاصة أن العسكرة حتى بعد توقف الحرب تبقى نشطة وإن بصورة غير منظمة ، ويتصاعد خطرها لأنها تصبح فوضوية أكثر وغير منظمة ودون أي رقابة وتتفشى في كافة المجتمعات وخاصة المجتمعات الأكثر هشاشة والتي تكثر فيها النساء وتحضر بصورة جليّة هزائم وانكسارات والخسائر الكبيرة التي تتكشف بعد توقف الحرب بصورة رسمية ، لكن الحرب غير الرسمية أو القاعدية هي الأكثر خطرا وأذى، خاصة أن العنف ينفلت بصورة غير قابلة للضبط وربما يتم استخدام المقاتلين السابقين لتحويلهم إلى عصابات متوزعة في كل البيئات.
لذلك ينبغي التركيز بشدة، خاصة من قبل النساء، على تحصين البنى الاجتماعية والاقتصادية وحمايتها من التحوّل إلى بيئة مواتية لتجدد النزاعات، مما يجبر الجميع على دفع فواتير باهظة تسببها التكلفة البشرية والاقتصادية والبيئية المباشرة للعسكرة، وتركز النساء في نضالهن لوقف الحرب على حجم خسارة النساء المضاعفة جراء الحروب، وبأن النساء هن أكثر من يعاني بسبب الحرب وفي كل المراحل قبل وأثناء وما بعد أي نزاع أو صراع.
ينبغي التركيز بشدة وخاصة من قبل النساء على تحصين البنى الاجتماعية والاقتصادية وحمايتها من التحوّل إلى بيئة مواتية لتجدد النزاعات
إن رفض القوة العسكرية وتوجيه خطاب حقوقي متصاعد ومتجدد ضدها هو عمل ضروري وخريطة طريق لا يمكن الابتعاد عنها، ليس فقط لوقف الحروب والنزاعات والصراعات، بل للجم العسكرة كآلية عدائية يتم من خلالها إنتاج القيم والعلاقات الذكورية المبنية على قاعدة اختلال موازين العدالة وتثبيت التمييز وكأنه مظهر طبيعي من مظاهر الحياة، إن اختلال موازين العدالة الجندرية لا يفضح فقط الحيف الواقع على النساء.
ربطت العديد من الشبكات النسائية العابرة للحدود معارضتها لنظم الحرب والعسكرة بنقد منهجي للعلاقات الجندرية أيضاً، لذلك يجب دوما ربط مناهضة العسكرة بخطاب لا عنفي مباشر يؤكد رفض الميزانيات العسكرية والقواعد العسكرية الغريبة في البلدان الفقيرة، وربط الأخطار غير المباشرة وغير المعلنة بالأضرار اليومية التي تسببها في البيئات الأكثر هشاشة، كما ينبغي التنبه دوما لربط كل إجراء عدواني بأثره السلبي على النساء من خلال تحليل جندري للوقائع والنتائج المرتقبة لأي تدخل عسكري، مركزي كان أو ميلشياوي أو عبر جماعات صغيرة (عصابات)، تمتهن الحرب وتفرض قيما تغيب أسس العدالة وتحيّد قوى وقطاعات واسعة عن مسار المشاركة بإرساء قواعد سلمية وتشاركية للحلول الحصيفة والمناسبة للمنطقة المشتعلة أو المنتهكة.
تسلب تكاليف التسلح حقوق الأفراد الأساسية، خاصة ما يتعلق بالمأوى والطعام والخدمات الأساسية والتعليم، ولأن مهام الاهتمام بحاجات الأسرة تقع بشكل رئيس على عاتق النساء، يبدو واضحاً تأثير شح الموارد على النساء بشكل أشد، فكمية أقل من الطعام تعني حتما حصة أقل للنساء والطفلات، كما يؤدي نقص المياه مثلاً إلى تضاعف الجهود المضنية وإنفاق المزيد من وقت النساء والطاقة لتأمين المياه.
إن القضايا المتعلقة بحياة البشرية قاطبة وخاصة ضمان السلم المحلي والعالمي ووقف الحروب، ليست قضايا حقوقية وإنسانية فقط، بل هي قضايا تأسيسية تنظم ميثاق العيش المشترك بين الرجال والنساء وبين سكان الأرض برمتهم. لذلك يبدو ضرورياً تعميم الخطاب لا عنفي وإشراك النساء بالصياغة والتطبيق والحضور في كافة المواقع والبيئات.