ملف: النساء بين مطرقة التقاليد والكوارث الطبيعيّة (25)
في لحظة فارقة حدث الزلزال، لم يكن الزلزال متوقعاً ولا متخيلاً في أذهان النساء السوريات، فقد أخذن كفايتهن من الألم والتعب والقهر، وعانين من نقص أولويات الحياة مهما كانت ضرورية وبسيطة، جاءهم نوع جديد من الموت ليكشف عما قبله من أشكال مختلفة للموت أو لتبريره وخاصة موت النساء.
تكررت تجربة العيش بالعراء وفقدان الأحبة والممتلكات وضياع ما تم تدبيره ضياعاً كاملاً، كما اختبرت نساء وطفلات سوريات جديدات ألم فقد البيوت وتهدمها والعيش في العراء والمعاناة من التشرد، لكن النساء كما العادة يواجهن كل أنواع العنف بصورة مضاعفة.
في مراكز الإيواء طلب من النساء تحديداً تنظيفها، هي وظيفتهن المعتادة والمخصصة لهن تحديداً دون غيرهن مهما كانت حالتهن الصحية أو النفسية، التنظيف مهمتهن الأبدية تماهياً مع أدوارهن الرعائية التقليدية، وتكاملت الصورة النمطية التمييزية ليتم إعطاء تقييمات لاإنسانية خاصة بالنساء في ظروف لاإنسانية أيضاً، مثل غير مرتبة، غير نظيفة، بطيئة في العمل، كسولة، تحب النوم، وتم إلحاق تقييم أبنائها بها أيضاً وكأنها وحدها من قامت بتربيتهم وتنشئتهم، مثل قليلي الأدب، أو قذرين، أو عنيفين، وطاول التطاول اللفظي والمعنوي على النساء والطفلات كمية الطعام المستهلكة من قبلهن ليوصمن بعبارات مثل: نهمات، لا يشبعن، عيونهن فارغة دلالة على الجشع والطمع.
حتى في مواجهة الموت الطبيعي تم التلاعب بحيوات النساء وصحتهن النفسية بفعل الإرث الثقيل من تضافر العادات والتقاليد والاستخفاف بحيوات النساء
وقد كان للمبالغة في جلدهن نتائج منفرة ومؤذية فاقمت من الأذى الجسدي والشعوري والنفسي، طلب من النساء الصمت وعدم البكاء، ومن صرخت أو بكت تمت السخرية منها، لم يتم إيلاء الدعم النفسي الأهمية المطلوبة، بل تم لجم النساء حتى عن إبداء الحزن والغضب والحيرة والتعب، وضعوا النساء جميعهن في سلة واحدة عبر توصيف نمطي أزلي: النساء ضعيفات، خنوعات، شكايّات وبكائيات ونادبات، وطلب منهن أيضا لجم أطفالهن المذعورين والمفروض عليهم واقع جديد مرعب ومفاجئ وغير إنساني، حتى في مواجهة الموت الطبيعي تم التلاعب بحيوات النساء وصحتهن النفسية بفعل الإرث الثقيل من تضافر العادات والتقاليد والاستخفاف بحيوات النساء وحقهن في الرعاية والأمان الشخصي والاستقرار النفسي والعاطفي.
تحولت مراكز الإيواء إلى فرصة للتحكم بالنساء، بعد فقدان الاستقلالية والتلاعب بالحيّز الخاص للنساء تمت معاودة التحكم بهن كملحقات بالزوج أو بعائلته الكبرى مثل أشقائه أو والدته وحتى شقيقاته. كما تم تضخيم الخلافات اليومية الحاصلة بسبب تغير ظروف الحياة ووجه اللوم والتقريع والاتهامات والزجر للنساء فقط، إذ يبدو المكان الجديد أضيق من أن يستوعب خلافا بالرأي أو بالأسلوب أو في نمط الحياة، خاصة أن عائلات بأكملها وقد يتجاوز عددها الثلاثين فرداً قد حشرت في غرفة واحدة، عدا عن أن فصل النساء عن الرجال كان له دور سلبي واضح، فقد جرد بعض النساء من الدعم العاطفي والوجودي من قبل الأزواج أو الأبناء في مواجهة بيئة اجتماعية لا تعطي الزوجات والطفلات والشابات أية صلاحية في رد الأذى عنهن وخاصة من الأقارب والقريبات الكبيرات في السن ومن مقدمي ومقدمات الخدمات أيضاً.
أثناء الكوارث الطبيعية وفي الحروب أيضاً، تقف النساء عاجزات بين رحى التقاليد غير المنصفة والتمييزية ضدها وبين ظروف قاهرة مفاجئة لكنها ضاغطة ومرعبة وغير عادلة، ويسددن فواتير الحروب والكوارث مضاعفة، تسدد النساء أثمان تصنيفهن التراتبي في أسفل الهرم الاجتماعي ويتم حصرهن في خانة أدوارهن الاجتماعية الضيقة والخانقة والتمييزية بصورة غير عادلة، فلطالما تمنى المجتمع علانية موت النساء الوحيدات وكأنهن فائض عن حاجة البشرية، كما استسهل المجتمع موت النساء ذوات الاحتياجات الخاصة لأن البقاء للٌأقوى، تلك النظرية القاتلة للحق بالحياة، تموت النساء مرات ومرات رغم أنهن مازلن على قيد الحياة.