المشروبات الشامية التراثية في شهر رمضان
لا يرتبط شهر رمضان، شهر الصوم بتقاليد خاصة في مواقيت تناول الطعام، ولا في أنواع وأسماء وأشكال وأوقات تقديم كلّ صنف من الطعام الاحتفالي، والذي يكاد أن يكون مؤّجلاً أو منسياً، خارج أوقات شهر الصوم فحسب، بل يرتبط أيضاً بأنواع محدّدة من المشروبات، وخاصة المشروبات الباردة مثل التمر هندي والعرقسوس والجلّاب وشراب المشمش.
وفي التراث الدمشقي صور متكرّرة لباعة شراب العرقسوس وهم يرتدون زيّاً تراثياً شامياً مصنوعاً من قماش الدامسكو المقلّم بألوان زاهية، وخاصة اللون المقصّب باللون الذهبي، حيث يحمل الباعة عبوات نحاسية كبيرة لها مسرب لصبّ الشراب يشبه الإبريق العادي، تمتلئ بالشراب المشهور، وتتم الدعوة لشرائه وشربه بموسيقا ذات إيقاع خاص، يطلقها البائع عبر ضرب الكاسات النحاسية بعضها بالبعض الآخر، فيصدر صوت ما، وكأنه لحن موسيقي ذو دلالة تسويقية، بأنّ بائع العرقسوس قريب جدا منّا، فلنبحث عنه ونشتري منه ونروي ظمأنا.
يتناقض الموقف الشعبي حيال نكهة شراب العرقسوس، ما بين محبّذ أو رافض له، فمن دواعي الترحيب به والتأكيد على ميزاته الخاصة، ثمّة أسطورة شعبية مرتبطة بشراب العرقسوس تحديداً، وهي أسطورة تؤكد وتهلّل وترّحب بالشراب المذكور، وتقول بأنّ جسم الإنسان يحتوي على عرق خاص يُدعى "عرق السوس"، يتفتّح في موسم الصوم، فيطلبه الجسم بشدّة! وتلبية للطلب الجسدي يتم تصنيع المشروب وبصورة بدائية وشعبية من نبتة معروفة ومشهورة. أما في تبرير رفض استساغته وعدم تقبّله، فتذهب بعض النوادر الشعبية بعيداً، حين تقول بأنّ غالبية المسيحيين يظنون أنّ شراب العرقسوس مخصّص للمسلمين فقط لارتباطه بشهر رمضان تحديدا، ولكن وعندما جرّبه بعضهم، وجدوا أنه غير صالح للشرب حتى للمسلمين أنفسهم.
وما بين مستسيغ ورافض، ما بين محبّ وكاره لشراب العرقسوس، تتنوّع قائمة المشروبات الباردة على موائد الإفطار والسحور، فنجد شراب التوت الشامي، والذي بات شرابا نادرا بسبب تراجع مساحات الأراضي التي كان يزرع فيها، إضافة إلى ارتفاع ثمنه كفاكهة في موسم نضوجه واحتياجه للكثير من السكر والمحروقات لتحويله إلى شراب يغلى ويخزّن منزلياً أو في معامل الصناعات الغذائية.
في التراث الدمشقي صور متكرّرة لباعة شراب العرقسوس وهم يرتدون زيّاً تراثياً شامياً مصنوعاً من قماش الدامسكو المقلّم بألوان زاهية
أما عصير البرتقال والليمون المحلّى، فيتم اللجوء إلى تحضيرهما يومياً، وقبل الإفطار، أو قبل شهر من قدوم رمضان، لتوّفر ثمار الليمون والبرتقال والحمضيات بشكل عام في فصل الشتاء، وكي تخفّف ربات البيوت عناء مهامهن في إعداد مائدة متنوعة. أما الطبقات الفقيرة فقد ألغت استهلاكها لكلّ هذه الأنواع من المشروبات لارتفاع كلفتها ولجأت بدلاً منها إلى الاعتماد على المشروبات الصناعية غير الصحية، كونها أرخص ثمناً وأكثر تسويقاً وتقبّلا، وخاصة من قبل الأطفال، لتوّفرها بنكهات عديدة، عدا عن سهولة تحضيرها بإذابتها الفورية مع ماء الصنبور. وأيضاً، يمكن إدراج مشروب الجلاب ضمن قائمة المشروبات سريعة التحضير، والتي باتت تباع ممزوجة وجاهزة عبر خلط خلاصة نبات الجلّاب المصنعة بدائياً، وغير المراقبة صحياً، لكنها تحتوي أيضا على نكهات مختلفة ترضي جميع الأذواق، ومعدّة للبيع في عبوات بلاستيكية أو حتى في أكياس من النايلون الشعبي.
ولعصير المشمش حضوره أيضا، فهو يُعتبر أحد أهم علاجات الإمساك الذي تتسبّب به قلّة الأكل أو الإفراط به، ويقدّم بطريقتين، إمّا عن طريق إذابة لفافات ورقائق "قمر الدين" المصنوع من حبات المشمش منزليا، أو عبر شرائه جاهزا من المحال التجارية، ويعتبر شراباً صحياً ومانعاً للعطش وراوياً له، خاصة أنّ لمشمش الشام شهرة واسعة وتقبّلا كبيرا لمذاقه الذي يمتزج فيه الطعم الحلو والحامض في آن معا.
في زحمة العرض التجاري والتسويق الهادف إلى الربح، تزدحم الأسواق والبطون بأنواع تراثية أو مستجدة من المشروبات الباردة التي تعتبر مادة أساسية على موائد رمضان، ويستهل بها المفطرون وجباتهم.