القمع الرقمي تجاه الصوت الفلسطيني
الحقوق الرقمية هي حقوق الإنسان المُطبّقة في العالم الرقمي، حيث تسري حقوق الإنسان في الشبكات الإلكترونية بنفس قدر سريانها واقعياً.
احتلال ونفي وقتل وتنكيل في العالم الحقيقي، أيضاً يتعرّض الفلسطينيون للقمع والطرد والإسكات في العالم الافتراضي، حيث تنعكس الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تُرتكب في ظل الاحتلال الإسرائيلي إلى حدٍ كبير في العالم الافتراضي، ويتّضح هذا بشكل خاص في هيمنة الاحتلال على البنية التحتية المرتبطة بالشبكة الإلكترونية.
ويقوم الاحتلال الإسرائيلي بالسيطرة على الموارد الطبيعية، ويوزّعها بشكل غير متكافئ لصالح الإسرائيليين، كما تخضع جميع البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات تقريباً ضمن جميع المناطق الفلسطينية المُحتلة، للسيطرة الإسرائيلية، ويفرض الاحتلال الإسرائيلي مرور جميع الاتصالات المحلية والدولية التي يتم إجراؤها على الهواتف المحمولة والإنترنت في فلسطين عبر العمود الفقري الإسرائيلي.
وقد أدّى هذا الإجراء إلى جعل الخدمات المُقدّمة للفلسطينيين أكثر تكلفة وأقل جودة من تلك الموجودة على الجانب الإسرائيلي، ونتيجة لذلك تُشكّل هذه القيود تهديداً خطيراً لحق الفلسطينيين في الوصول إلى الإنترنت، الذي بدوره يُشكّل انتهاكاً لحقوق الإنسان الرقمية، باعتبار حق الوصول للإنترنت أحد عناصرها.
فقد عَمُد الاحتلال الإسرائيلي على استخدام العالم الرقمي للسيطرة على الشعب الفلسطيني أيضاً، فقد اعتقلت إسرائيل الفلسطينيين مراراً وتكراراً لممارستهم حقهم في حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي، ودُعمت الاعتقالات بالتشريعات الإسرائيلية التي تُعرّف بشكلٍ غامض "الإرهاب" و"التحريض"، وتساوي بشكل تعسفي بين الأقوال وأفعال الحياة الواقعية، فقد اعتُقل العديد من الناشطين الفلسطينيين بالقدس، بتهمة "تهديد الأمن القومي"، بسبب دعواتهم على وسائل التواصل الاجتماعي ضد التهجير القسري.
بالإضافة إلى انتهاكات حكومة الاحتلال الإسرائيلي، تهدد الشركات الإسرائيلية الخاصة الحقوق الرقمية للفلسطينيين، فعلى سبيل المثال لا الحصر أظهر تحقيق في عام 2019 أن شركة تكنولوجيا المراقبة الإسرائيلية AnyVision قد استخدمت بيانات وجه الفلسطينيين، دون موافقتهم، في تطوير تقنيات التعرّف على الوجه، ومن الأمثلة الأخرى رفض Google إنهاء التمييز ضد المستخدمين الفلسطينيين من خلال خرائطها، وقائمة Airbnb للممتلكات في المستوطنات غير القانونية، ورفض PayPal تمديد خدماتها إلى فلسطين، بينما تعمل بشكل طبيعي في مناطق الاحتلال الإسرائيلي.
علاوة على ذلك، كشفت مجموعة من منظمات المجتمع المدني الدولية خلال العامين الماضيين عن استخدام برامج التجسس الإسرائيلية المُصنّعة والمعروفة باسم "بيغاسوس" في استهداف أكثر من 50000 ناشط وشخصية عامة في جميع أنحاء العالم.
وترتكب مثل هذه الانتهاكات أيضاً من قبل شركات التكنولوجيا العالمية، مثل ميتا بمنصاتها المختلفة (فيسبوك، إنستغرام..) ، حيث انتقد ناشطون متضامنون مع الحقوق الفلسطينية خلال اليومين الأخيرين، موقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام" بسبب حظر نشر صور الشهيدة الطفلة الفلسطينية آلاء قدوم التي استُشهدت جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، وقال الناشط البريطاني والمغني المشهور لو كي في تغريدة له على منصّة "تويتر" إن إنستغرام حذفت قصته بخصوص الطفلة آلاء، بادعاء انتهاك إرشادات المجتمع بشأن المنظمات العنيفة والخطيرة. وأشار لو كي إلى أن الرقيب الحكومي الإسرائيلي السابق إيمي بالمور موجود في مجلس الإشراف على المحتوى في شركة ميتا، ومن المفارقات أن ميتا لم تفعل سوى القليل لمكافحة خطاب الكراهية بالعبرية ضد الفلسطينيين.
وأي انتقاد لانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي وممارساته العنصرية في الفضاء الإلكتروني، وضمن مختلف دول العالم، سواء كان الناشر فلسطينياً أو نصيراً للفلسطينيين، سوف يستهدفه القائمون على منصات التواصل الاجتماعي بإزالة المحتوى، أو حذف الحساب، أو تقييده.
وعلى الرغم من كل هذه السياسات التي تُشّكل انتهاكاً لحقوق الإنسان الرقمية ومخالفةً للقرارات الدولية، ومحاولات إسكات صوت الشعب الفلسطيني ومناصريه رقمياً، لم يمنع الصوت الفلسطيني في مختلف بقاع العالم من توظيف منصات التواصل الاجتماعي، وتسليط الضوء على الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي.
يقول غسان كنفاني: إننا حين نقف مع الإنسان فذلك شيء ليس له علاقة بالدم واللحم وتذاكر الهوية وجوازات السفر، ووقفونا مع الإنسان الفلسطيني يجب أن يستمر بتصاعد، تحديداً في الساحة الرقمية، لما فيه من أهمية في توثيق الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية.