"العنف والمرأة"... صورة المرأة في الإعلام (10)
يجرى التعامل مع الإعلام كسلطة رابعة نظير ما له من تأثير، حيث تجلّى كأداةً للتعبير عن الألم وفضح العنف والتعبير عنه عبر الكلمة والصورة. ومما يعطي الإعلام استثنائيته، القدرة على رصد الفاجعة التي تعكس حدّة الواقع وتجلياته بمختلف تبعياته وأبعاده، كما يتمثل دور الإعلام كأرشيف غني لرصد الحروب والصدمات والعنف.
ونذكر، كمثال على ذلك، أعمال الفنانة فريدا كاهلو كأيقونة ورمز لصلابة الفنانة والمرأة، وهي تواجه ما تحملته من آلام نفسية وعجز جسدي، وقد شغلت باحثين فنيين ومحللين ونقاد تشكيليين وأكاديميين لتفسير وتحليل معانيها وخطوطها ودراستها، وإحالة كلّ تفاصيلها إلى تسجيلات فيلمية بأرشيف غني وفرته مؤسسات إعلامية معنية بحفظ موهبتها وعبقريتها كفنانة استطاعت التعبير عن دواخلها بالريشة، وتمثل لوحتها المعروضة في متحف دولوريز المعنونة تحت "الطفل والولادة" تعبيراً وجمالاً عن مشاعر الفقد والخسارة، كما تعكس الدماء التي تملأ مساحاتها مشاعر الخوف والغضب والقهر (قيس قاسم، الجزيرة).
وضمن هذه الرؤية التي يمتزج فيها التعبير عن الألم واستحضار معاناة الجسد، يأتي الإعلام، على أنواعه المتعدّدة من الإعلام المقروء والمرئي والمسموع، ليتناول قضايا العنف ضد المرأة من زوايا متباينة وبطرق ووسائل ووجهات نظر، حيث إنّ لكل منصة إعلامية فلسفتها الخاصة، والتي تنبع من التوجهات السياسية والاجتماعية والثقافية وعوامل ذاتية ذات صلة برؤية صاحب المؤسسة الإعلامية.
وقد تناول الإعلام المرأة في أربعة أدوار رئيسية: دور الأنثى، دور الزوجة، دور الأم، ودور المواطنة. كما يلعب الصحافيون والإعلاميون دورًا مهما، ليس فقط في زيادة الوعي حول العنف ضد المرأة، بل وفي تحدّي التقاليد والمواقف والصور النمطية السلبية، وإبراز قصص الناجيات كمناصرات للتغيير الإيجابي، بعيداً عن ثقافة إخفاء العنف داخل المجتمع العائلي المعقد، والتفسيرات الدينية الخاطئة في التغطية الإعلامية.
عجزت وسائل الإعلام عن بلورة خطاب يمثل توجهات المرأة ورؤيتها
ومن وجهة نظر الباحثة، من الضروري لمختلف وسائل الإعلام أن تركز اهتمامها على مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية للمرأة، مع إعطائها مساحة آمنة من الحوار والتفاعل البناء بعيداً عن حصره في رباط الموروث الثقافي والاجتماعي، الذي يتسم بالتعقيد والتشابك، وتبني فتح ملفات أهم وأعمق لكسر الأطواق المفروضة عبر العادات والتقاليد والقوانين المجحفة بحق المرأة، والعمل على إزالتها من خلال دورين: الدور الناقل للحقيقة والآراء العامة، والدور التنويري والتنموي الفاعل في اتجاه إحداث التغيير الاجتماعي.
وبالرغم من الجهود المبذولة من المؤسسات الإعلامية، إلا أنها عاجزة عن بلورة خطاب يمثل توجهات المرأة ورؤيتها، حيث لا يزال الخطاب الذي تتبناه هذه المؤسسات خطاباً إنشائياً يتضمن جملاً وعبارات أقرب ما تكون لعموميات لا تحاكي واقع المرأة ولا تحمل خصوصيتها كامرأة لها ثقافة وهوية، بالإضافة إلى افتقار هذا الخطاب إلى العمق والإدراك الواقعي لواقع المرأة ومشاكلها، وعدم وجود رؤية تنموية مؤطرة بشكل عملي يؤسس للعمل التنموي للمرأة، ما يتطلب إعادة صياغة خطاب شامل للمرأة لتأطير عملها في شتى المجالات ورفده بالأطر السليمة لتنظيمه، وهذا لا يتم إلا إذا تضمن الخطاب معايير وأسساً واضحة المعالم تشكل في مضمونها مرجعية أساسية للمؤسسات والأفراد (حسام عطية، الدستور).
وختاماً، وبالتعليق على الترند الأخير تحت هاشتاغ "# كلنا_سعد_لمجرد". نجد أنّ الأصوات التي دافعت عن الفنان المغربي عدّت كلّ من تضامن مع الضحية لورا بريول متآمراً مع القضاء الفرنسي، بل ووصل الأمر بالبعض إلى شتم المدافعين عن النساء ضحايا العنف، سواء كانوا فنانين أو مواطنين مغاربة، "ولا يتعلق كلّ هذا اللغط هنا بالقضية القضائية للمجرد فقط، بل بمجتمع يطبّع مع العنف بشكل يومي. فكلما تعرضت امرأة للعنف أو التحرش الجنسي، ظهرت أصوات تؤيد الجاني وتلوم الضحية التي تعرضت للعنف أمام مرآهم، وبحثوا عن تبرير لهذا العنف في لباسها، أو خروجها إلى الشارع. اللوم والشتم يظلّان رفيقي التحرّش والعنف الجنسي اللذين تتعرّض لهما الضحية، ولا تواجه المرأة الجاني وحده، بل تواجه جناةً يطبّعون مع كلّ أشكال العنف الذكوري، وهم ليسوا ذكوراً فقط، بل إناث أيضاً" (كريمة وعلي، موقع رصيف).
ومن أجل القضاء على التطبيع مع هذه الأفعال الإجرامية، لا بدّ من إعادة النظر في إعلامنا والإنتاجات التلفزيونية والسينمائية وما يرافقها من عنف واحتقار للنساء، بجانب تصحيح أفكار شائعة في ثقافتنا العربية من أمثال وعبارات وأشعار.