العنف ضد المرأة العربية رقمياً
يُعتبر العنف الرقمي المُمارس ضد المرأة في العالم الافتراضي والساحات الرقمية بتنوّعها امتداداً وتكريساً للعنف المُوجّه ضدها في العالم الواقعي، حيث يجري إسقاط المقولات المتداولة واقعياً ومجتمعياً على تفاعلات العالم الرقمي، وفي نهاية الأمر فإن منشأ مكونات العنف اللفظي ضد المرأة في العالم الرقمي مُكتسب من الوسط الاجتماعي، ونستطيع أن نتحدث عن عدة عناصر من العنف اللفظي الرقمي على مواقع التواصل الاجتماعي، سواءً من خلال المنشورات المكتوبة أو التعليقات والرسائل المباشرة، إضافةً إلى الصور التفاعلية والفيديوهات.
أولها تنميط المرأة بالصورة التي تراها بعض المجتمعات المُتخلّفة، والقذف والسب الشتم والسخرية، ونشر لغة متعالية قائمة على التنافر، ثانيها النظرة الفوقية للمرأة من خلال خطاب صدامي يرتكز على التمييز السلبي ضد المرأة، وثالثها يتجلّى في منسوب مرتفع لحقل دلالي قدحي ينهل من التحريض المُجتمعي والإقصاء الجنسي.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي نوع آخر من العنف المُبطن لا يقل خطورة، وهو العنف ضد المرأة المُغلّف بالدعابة والنُكات المُضحكة، حيث نجد بعض النساء يتفاعلن معه بغير قصد، مع العلم أن محتوى هذه الطرائف، كما يرونها، لا علاقة له طبعاً بأي دراسات أو نظريات علمية، بل مُجرّد تكريس لصورة نمطية عن المرأة التي لا تُفكر بعقلها، وإنما تتحكم في حياتها وقراراتها وانفعالاتها هرمونات يفرزها جسدها أثناء تغيرات فيزيولوجية، والخطير في الأمر أن عدداً لا بأس به لا يرى فيه ضيراً ولا يصنّفه عنفاً، وقد يتعرّض من يراه كذلك إلى خطاب التنمّر والعنف.
وفي السياق ذاته، يؤكّد باحثون أن العنف الرقمي أكثر خطورة من العنف الواقعي، نظراً لعدة عوامل مُتمثلة بصعوبة الابتعاد عنه، واتساع الجمهور المُحتمل، وعدم مرئية أولئك الذين يقومون بالعنف، كونهم يمارسونه من خلف شاشاتهم.
وانطلاقاً مما ذُكر يمكننا أن نعد العنف الرقمي من أكثر أنواع العنف صعوبة وخطورة وتهديداً للمجتمع، إذ إنّه يمس الحياة الاجتماعية والنفسية للأفراد، مما قد يؤدي بهم إلى ارتكاب جرائم واقعية تهدّد استقرار المجتمع.
وإذا كان العنف اللفظي من المشاكل المُؤرقة التي تعانيها المرأة في العالم العربي، فإنّهن بالقدر ذاته يواجهن شيوع هذه الآفة في الفضاءات الرقمية، وفق ما تؤكده الأرقام الرسمية ومعطيات الجمعيات الحقوقية التي تعمل وتنشط في هذا الميدان، بالأخص أن ضحايا العنف الرقمي إلى تزايد، بحيث تتعدّد أشكاله على شبكة الإنترنت عموماً، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً.
فمن الإساءات اللفظية والعنصرية في الرسائل الخاصة والصور الإباحية والعبارات غير اللائقة عبر تقنيات الاتصال المختلفة في منصات التواصل الاجتماعي، إلى سلوكيات التنمّر والابتزاز وحملات تشويه السمعة، من خلال نشر الصور والفيديوهات الشخصية (ويطول الحديث عن جريمة الابتزاز الرقمي وآثارها الكارثية وسنتحدث عن الموضوع بمقالة منفصلة)، وصولاً إلى التهديد بالعنف، والمس بالسلامة الجسدية.
ومع انتشار هذه الظاهرة في العالم العربي بشكل واسع، فإن المنظومة القانونية في أكثر الدول العربية لا تزال تُغيّب هذا المعطى في مقتضياتها القانونية، وإن لُوحظ فإن جدّية التعاطي معه ليست بالمستوى المطلوب، الأمر الذي ينعكس بازدياد نسبة هذه الظاهرة، والأخطر من ذلك انتقال ما هو رقمي إلى واقعي.
وثمةّ العديد من حالات العنف الرقمي تُرجمت الى جرائم حقيقية وحشية على أرض الواقع، مثل قيام شاب بنشر صورة لسكين في يده مُرفقة بعبارات تتضمن تهديد بالقتل والذبح، وبعد فترة زمنية تضج وسائل الإعلام بخبر ذبح الفتاة التي عنّفها وهددها الشاب رقمياً بطريقة وحشية بربرية، وهذا ما يجب أن يُعمل عليه في القوانين، بحيث يُعتبر التهديد الرقمي كالحقيقي، ويُنتج آثاراً جُرمية، لذا يجب على السلطات المحلية ملاحقة المُهدد فوراً، ومن مسؤولية الحاضرين على وسائل التواصل الاجتماعي التبليغ الفوري عن هذه الحالات، التي تشكّل تهديداً حقيقياً للسلامة العامة، إضافةً إلى إبلاغ مركز المساعدة الخاص بالتطبيق إلكترونياً.
إن الميدان الرقمي، وتحديداً منصات التواصل الاجتماعي، التي تنتشر عليها ظاهرة العنف ضد المرأة، هي أيضاً وسيلة لنشر حملات التوعية لمكافحة وإنهاء كل أشكال العنف المُوجّه ضد المرأة، وهنا تقع مسؤوليتنا بالمشاركة المتواصلة في هذه الحملات الرقمية، فقد أثبتت التجارب فعاليتها في العديد من الدول العربية.