العرب في تركيا: "هل نعيش التغريبة مرّتين؟"
هل جربت أن تكون ورقة انتخابية من قبل؟ محلّ رهان على حياتك وأمنك وسلامتك؟ أن تُعيد الأيام نفسها فتجد نفسك على مشارف كابوس جديد إن صوّت الناس لهذا أو ذاك؟ مستقبلٌ مجهول على وشك التحقّق أو عدم التحقّق، يعود بذهنك إلى ماضٍ مؤلم من التيه في الأرض، والهرب من الموت والسجن والملاحقة والمبيت في رعب كلّ ليلة.
يتفق مرشحو المعارضة الثلاثة (على اختلاف اتجاهاتهم ومؤيديهم) في أنّ الوعد الانتخابيّ الأوّل الذي يدغدغون به مشاعر ناخبيهم ويخاطب أحلامهم العنصرية، هو أن يطهّروا هذه البلاد من اللاجئين، وينقّوها من الأجانب الكثر الذين يعيشون في كلّ شارع فيها، ويتخلّصون من كلّ هؤلاء الذين ليسوا من أبناء العِرق التركيّ، في خطابات فاشيّة لا تُسعفني بلاغتي لتقليدها، ولا تُسعفني مرارتي للاستشهاد بمضمونها أكثر من ذلك.
يراك الناخب التركيّ الذي سيصوّت للمعارضة بندًا مهمًّا يبني عليه رأيه، لأنه يتخيّلك عبئًا على اقتصاده، وقوميته، وتهديدًا لديموغرافية بلاده، ويجهل أو يتجاهل ما تعنيه أنت لاقتصاده الذي يقوم على السياحة والموارد البشرية، ويغضّ طرفه عن أنّ المهاجرين وأبناءهم يصيرون رؤساء حكومات ووزراء في بلدان أخرى، ولا يشكّلون إلا مستقبلًا أفضل للبلاد التي تفتح لهم أبوابها فيحبونها، مع اتفاقنا على السنّة الكونية التي تؤكد وجود الأشرار أحيانًا، في كلّ مجتمع وكلّ مكان.
يتجوّل بعض السياسيين وسط الشوارع، يلتقون بمهاجر عن طريق الخطأ، فتبدأ الحفلة التي لا يملّ من الغناء فيها "سنعيدك إلى بلادك قريبًا"، لتكون تلك أقصى أحلام الناس، دعك من الوضع الاقتصاديّ الذي يعِد بتحسينه المرشحون جميعًا، ومن الحدّ الأدنى للأجور، ومن الصناعات الدفاعية والسياسات الخارجية والنهضة الصناعية والاهتمام بالإثنيّات العرقية في البلاد، المهمّ هم هؤلاء الذين تجرّأوا يومًا على حدود تركيا، فدخلوها، وباتوا أحد مكوّناتها من السكان، يدفعون دم قلوبهم من أجل السكن والعيش، وينشّطون الاقتصاد بمليارات يدفعونها فيه، أو مليارات يستثمرونها، ويقوم القطاع العقاريّ على أكتافهم فعليًّا، لكننا لا نريدهم هنا، لأنهم "يابانجي" (أجنبي في اللغة التركية).
يتفق مرشحو المعارضة الثلاثة في أنّ الوعد الانتخابيّ الأوّل الذي يدغدغون به مشاعر ناخبيهم ويخاطب أحلامهم العنصرية، هو أن يطهّروا هذه البلاد من اللاجئين
على الطرف الآخر، يتابع العرب والأجانب المقيمون في تركيا الانتخابات بضربات قلبٍ محمومة، ووجع بطن غير مسبوق، يضعون أيديهم على صدورهم، يلتمسون الرجاء والأمل عند الله، ويطلقون أسئلتهم في الفراغ: "هل نعيش التغريبة مرّتين؟"، خائفين من تكرار المأساة، لكنها هذه المرّة ليست نفسها، بل أفظع، فأن تعيش الخوف لأوّل مرة، ليس كأن تعود إليه بعدما شعرت بالأمان لأوّل مرة، وهنا مكمن القلق.
بشكل شخصيّ، حياتي تقريبًا، وآمالي، وتطلعاتي، ومشروعاتي، وإقامتي، ومخزون الطعام في بيتي، والثلاجة التي أريد تغييرها في منزلي، والسجادة التي نريد شراءها، ومقالي القادم لـ"العربي الجديد"... كلها أمور نضعها في بند "بعد الانتخابات إن شاء الله"؛ كلّ القرارت مؤجلة إلى 14 مايو/أيار، فما بعدها، لن يكون أبدًا كما قبلها، إما فرصة جديدة للأمان، وإطلاق نفس مريح وهادئ، أو ما يجعل قلبي يخفق بقوة (كما الآن) حين تخيّلته لأكتبه.. فلن أكتبه، ولننتظر ما سيكتبه لنا الله!