إيران... حلّ "شرطة الأخلاق" انتصار أم التفاف؟

13 ديسمبر 2022
+ الخط -

ما زال الفضاء الرقمي مشتعلاً بأحداث الشارع الإيراني الملتهب منذ وفاة الشابة، مهسا أميني، أثناء اعتقالها لدى شرطة الأخلاق في 16 سبتمبر/ أيلول الماضي. جُملة من المطالب، ينادي بها الإيرانيون في الشارع، ويردّدونها من خلال تفاعلاتهم على منصّات التواصل مع تضامن حقوقي واسع في مختلف دول العالم، ومن أبرز المطالب التي رفعت شعارها الحركة النسوية في إيران "حلّ شرطة الأخلاق". 

مؤخرا، ضجّت وسائل الإعلام والمنصّات الرقمية بخبر "حل شرطة الأخلاق" التي أنشئت في عهد الرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد، والتي تُعرف باسم "كشت إرشاد" أي دوريات الإرشاد من أجل "نشر ثقافة اللباس اللائق والحجاب"، وهي تضم عناصر ترتدي بزات خضراء ونساء يرتدين الشادور (الزي الشعبي). وبدأت هذه الوحدة أولى دورياتها عام 2006.

وفي خبر مفاجئ أعلن المدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، إلغاء "شرطة الأخلاق" مبدئيا من قبل السلطات المختصة، كما أفادت وكالة الأنباء الطلابية الإيرانية (إيسنا). وقال منتظري إنّ الجهات التي أنشأت منظومة "شرطة الأخلاق" هي التي اتخذت قراراً بوقف عملها في هذه المرحلة، وأكد أنّ البرلمان والمجلس الأعلى للثورة يبحثان مسألة الحجاب، وسيعلنان النتائج خلال أسبوعين. وبحسب منتظري، فإنّ هناك جهوداً تبذل لإيجاد حل "مدروس" والتعامل مع ظاهرة عدم رعاية الحجاب التي "أزعجت" الجميع، وفق تعبيره. أما وقعُ الخبر رقمياً، فقد تباينت التفاعلات حوله وكانت في صدارة التداول بين مُحتفلٍ بالخبر وبين مُشككٍ به وبين رافض له.

اعتبر بعض الناشطين المعارضين لسياسات النظام الإيراني المُتعلّقة بالقيود المرتبطة بالحريّات لا سيّما مسألة الحجاب، أنّ القرار الأخير انتصار لهم وجاء نتيجة ضغط الشارع والرأي العام الواقعي والرقمي، واصفين هذا اليوم بالعظيم للإيرانيات بشجاعتهن وتضحياتهن، في الوقت الذي أفادت فيه منظمة حقوق الانسان في إيران ومقرّها أوسلو بأنّ قوات الأمن قتلت حتّى الآن 448 متظاهراً على الأقل، وبأنّ ذلك مؤشر واضح على قوّة الثورة، ويعطيها دفعاً معنوياً لمواصلة النضال لكسب المزيد من المطالب.

ذهب الناشطون الرقميون الموالون للنظام الإيراني، والذين تُشكّل قيادة النظام الايراني لهم مرجعيةً سياسية ودينية، إلى اعتبار هذا القرار خطير وسيؤدي إلى رفع سقف المطالبات وبثّ الأمل في إمكانية تغيير النظام بشكلٍ كامل، معتبرين أنّ أهداف المتظاهرين تتجاوز مسألة الحريّات والقيود على اللباس وفرض الحجاب في إشارة إلى نظرية المؤامرة الخارجية الغربية التي تستهدف رأس النظام للتخلّص منه، فكانت تفاعلاتهم رافضة لهذا القرار، وذهبوا باتجاه الدعوة إلى التشدّد أكثر.

الرؤية الحالية التي يسير نحوها الشباب الطامح إلى التغيير لم تعد ترتبط بالرؤية السياسية فحسب، وإنما بمبدأ الحريات وهو ما يتنافى مع مساعي النظام الإيراني الساعي لإجهاض الحراك

وفي جانب آخر ينظر بعضهم إلى القرار على أنه مناورة يقوم بها النظام الإيراني لامتصاص غضب الشارع والتفاف على الثورة المُشتعلة في إيران، وأنّه لن يُغيّر شيئاً في سياسات النظام المُتشدّد، تحديداً في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي، واصفين النظام بالشمولي الذي اعتاد السلطة الكاملة والمُطلقة، والتي تصل إلى الحريات الشخصية للمواطن، وأنّ مثل هذه الأنظمة لا تُقدّم التنازلات من باب حسن النية، بل من أجل نزع فتيل الغضب وتأمين السيطرة المُستمرّة، وصنّفوا القرار ضمن خانة الشائعات التي يبثّها النظام لإظهار انتهاء الأزمة ومعالجتها.

يتهم النظام الإيراني خصومه باستغلال المطالب للتصويب عليه، ويتحدّث عن بروباغندا إعلامية غربية يمارسها الغرب عبر وسائل إعلامه المختلفة، سواء التقليدية منها أو الرقمية، كما يصوّب على كبرى الشركات التكنولوجية ومنصّات التواصل الاجتماعي بالتواطؤ مع ما يحاك ضد إيران  من قبل الغرب.

مما لا شك فيه أنّ الاحتجاجات التي فجّرتها وفاة مهسا أميني مختلفة عن سابقاتها، فهي تجاوزت الطبقات والمناطق، في الوقت الذي توصّل فيه العديد من الإيرانيين إلى استنتاج مفاده أنّ بلادهم ستكون في وضعٍ أفضل إذا ما تمّ تغيير الحكم من ديني وعقائدي إلى نظام مدني يحترم الحريات ولا يُقيّدها، مما يعكس رؤية الشباب الإيراني نحو مجتمع مدني لا ديني، ولا يخضع لمرجعية العمامة. هذه الرؤية الحالية التي يسير نحوها الشباب الطامح إلى التغيير لم تعد ترتبط بالرؤية السياسية فحسب، وإنما بمبدأ الحريات وهو ما يتنافى مع مساعي النظام الإيراني لتنميط هذه الثورة بعيداً عن طموحات المتظاهرين المُتعطّشين لطعم الحريّة من خلال ربطها بالمؤامرات الخارجية.

راغب ملي/ فيسبوك
راغب ملي
مدير الاتصال الرقمي في مركز أبحاث الحكومة الإلكترونية، كاتب وباحث ومتخصص في مجال إدارة مواقع التواصل الاجتماعي.