إعادة التدوير: استراتيجية شبه منسية عربياً

09 نوفمبر 2022
+ الخط -

تعدّ مشكلة النفايات إحدى أخطر المشكلات التي تواجه العالم، كونها تحتوي بغالبيتها على الكثير من المواد، لا سيما الكيميائية السامة التي تؤثر على البيئة مباشرة، وتُحدث خللاً بها.

تنتج هذه النفايات من المواد والمخلّفات الصناعية والمخلفات الزراعية (المواد الكيميائية التي تستخدم كمقوّيات في الزراعة، أو مبيدات للحشرات الزراعية)، والتي يتم التخلص منها بشكل عشوائي. كما تنتج تلك النفايات من المواد المعدنية أو الزجاجية (النفايات الصلبة) التي تحتاج إلى مئات السنين للتحلل. وتعتبر النفايات السائلة المكوّنة من مواد سائلة والناتجة عن استخدام السوائل في العمليات الصناعية والزراعية المختلفة، كالزيوت ومياه الصرف الصحي، مكوّناً رئيسياً للملوثات الخطرة على البيئة.

 ومع زيادة نمو عدد السكان في العالم، وزيادة الاستهلاك المعيشي، أصبحت مخلّفات النفايات المنزلية، لا سيما غير العضوية منها، كالورق، البلاستيك، الأخشاب، علب الصفيح والزجاج، مصدراً إضافياً ضخماً يضاف إلى مصادر النفايات.

وللنفايات أضرار سلبية جمّة على البيئة، أبرزها التلوّث الناتج عن اختلاط المواد الضارة في التربة مثلاً، وتسرّبها للمياه الجوفية وإحداث تلوث في المياه، بالإضافة إلى تهديد حياة الحيوانات، كالأغنام والكائنات البحرية، التي تقوم بابتلاع الأكياس البلاستيكية، وإحداث خلل في التنوّع البيولوجي.

وأخيراً تساهم النفايات بظهور الآفات، بحيث يسبب إنشاء مطامر للنفايات ظهور حشرات وأعشاب بشكل كبير في تلك الأماكن، لا سيما الحشرات الضارة التي تتغذّى على الأطعمة الفاسدة والمتعفنة. ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أنّ الإنسان أكثر كائن مسؤول عن الرمي العشوائي للنفايات، هو الأكثر تضرراً من آثارها السلبية، بحيث تسبّب انبعاثات النفايات السامة أمراضاً عدّة، لا سيما الأمراض التنفسية، كالتهاب القصبات الهوائية، وتهيج الحلق، والسرطانات...

أصبحت مخلّفات النفايات المنزلية، مصدراً إضافياً ضخماً يضاف إلى مصادر النفايات

أحد الحلول المقترحة لتخفيض نسبة النفايات يتمثّل بمعالجتها عن طريق إعادة التدوير، الاستراتيجية شبه المنسية في عالمنا العربي. وتُعرّف إعادة تدوير النفايات بأنّها عملية تعتمد على إعادة معالجة المواد التي يتمّ التخلّص منها كنفايات، بطريقة تسمح بإعادة استخدامها، بغية تحويلها إلى منتجات جديدة ذات فوائد اقتصادية وبيئية على حد سواء. وتمر عملية إعادة التدوير بعدّة مراحل: المرحلة الأولى تبدأ بالجمع والمعالجة، والثانية تنتهي بإعادة التصنيع.

يحتاج جمع النفايات إلى وسائل محدّدة بغية السير في عملية إعادة التدوير بشكل صحيح، والدور الأول في هذه العملية يقع على أصحاب المنازل، بحيث يتطلّب منهم فصل المواد القابلة لإعادة التدوير من القمامة، وذلك من خلال وضعها في حاوية خاصة، ووضع باقي القمامة في حاويات عادية؛ ليتمّ جمعها بشاحنات منفصلة. وبعد الجمع بحاويات خاصة، يتم وضع المواد القابلة للتدوير في مراكز خاصة، تسمّى بمراكز الإنزال، وعادةً ما يكون موقع هذه المراكز بالقرب من مناطق الازدحام الشديد، مثل: مداخل المحلات التجارية الكبيرة ومواقف السيارات. وأما عن كيفية جمع المواد القابلة للتدوير، هناك عدّة أنظمة مستخدمة. النظام الأوّل يتمثل باسترداد المواد القابلة لإعادة التدوير من النفايات المختلطة، وذلك باستخدام العديد من الطرق الميكانيكية، من خلال الاستفادة من الخصائص الفيزيائية لهذه المواد؛ كالحجم، وكثافة الفيض المغناطيسية، واللون...

النظام الثاني يتمثل بالفصل من المصدر، حيث يتمّ فصل المواد القابلة لإعادة التدوير عن النفايات الأخرى عند نقطة تجمّعها، سواء في المنازل أو أماكن العمل، من خلال جمعها بشكل منفصل عن باقي القمامة، ووضعها في حاويات منفصلة مخصّصة للبلاستيك والزجاج...

البيئة مسؤوليتنا جميعاً، يوم تنهار بيئتنا سننهار معها حتماً

أما النظام الثالث، فيرتكز على التدوير المختلط، فقد طوّرت العديد من الشركات برامج للتدوير المختلط، تتضمّن نقل المواد القابلة للتدوير إلى مراكز المعالجة ليتمّ فرزها هناك، إذ يتمّ تزويد المستهلكين بصناديق عدة؛ وذلك لعزل المواد التي يُمكن أن تُلوّث المواد القابلة للتدوير عند جمعها سوياً.

تُعدّ إعادة التصنيع الخطوة الثانية والأبرز في عملية إعادة التدوير، وإعادة التصنيع تشمل جميع المواد القابلة لإعادة التدوير، وتكمن أهميتها خصيصاً في معالجة المواد التي تصنّف كنفايات وملوثات، كزيت المحرّكات مثلاً: يتمّ تجميع زيت المحركات المستخدم في براميل، ثمّ يتم نقله إلى محطات المعالجة لتنظيفه؛ وذلك تلبيةً لمتطلبات وكالة حماية البيئة، ويُستخدم الزيت المعاد تصنيعه كوقود للسفن أو قطران لأسفلت الطرق... وكون الزجاج مثلاً مادة غير عضوية تستغرق الكثير للتحلّل، فإعادة تصنيعها فعالة جداً للحدّ من آثارها السلبية كملوثات.

البيئة مسؤوليتنا جميعاً، يوم تنهار بيئتنا سننهار معها حتماً، لذلك فلنتبع خطوات بسيطة كي ننقذ ما نستطيع إنقاذه من تلك الثروة المنسية قبل فوات الأوان.

سالي جابر
سالي جابر
باحثة وكاتبة بيئية، حاصلة على دكتورة في الكيمياء والبيئة من جامعة Clermont Ferrand في فرنسا. تعرّف نفسها بأنها "كائن حي غيور على بيئته، جنته وجنة أطفاله".