ناقوس خطر النفايات يقرع لبنان
تتجدد أزمة النفايات في لبنان من فترة إلى أخرى، لا سيما مع غياب الخطط الحكومية الواضحة لمعالجة تلك الأزمة من الجذور.
وأزمة النفايات هي أزمة فعلية موجودة في لبنان منذ سنوات، لكنها لم تظهر إلى العلن إلا في العام 2015، بعد انتشارها بشكل كثيف على الأراضي اللبنانية، والتظاهرات المطلبية المطالبة بالحد من هذا الانتشار. تحتل النفايات العضوية النسبة الأعلى من مجمل النفايات، وهي تتكون من بقايا المطبخ: كالخضار والفاكهة في المنازل والمطاعم والمؤسسات التجارية.
ومن أبرز الأسباب التي جعلت الجزء الأكبر من النفايات المنتجة في لبنان نفايات عضوية، نستعرض ما يلي: أولاً، المبالغة في ممارسة العادات الاجتماعية، التي تنتج كميات كبيرة من الأغذية التي ترمى رغم أنها لا تزال صالحة للاستهلاك، ولا يجوز وصفها بالنفايات، وبالتالي تكديس كميات هائلة من نفايات، بكل بساطة الحد من انتشارها هو ترشيد استهلاكها. ثانياً، إنتاج لبنان من الخضار والفاكهة يفوق حاجة السوق، ومن دون تطبيق أي سياسة تسويقية أو حمائية (ضبط ومراقبة السوق) أو توجيهية تخدم مصلحة المستوردين، ما يساهم بإتلاف كميات هائلة من المنتجات وتصنيفها نفايات.
وعلى الرغم من كثافة النفايات العضوية، إلا أنها نفايات تتحلل في نهاية المطاف، أما المشكلة الأكبر فتتمثل عندما تشمل النفايات مواد بلاستيكية، تستغرق أحياناً مئات السنوات كي تتحلل، وترمى بشكل عشوائي في البر والبحر. أيضاً وأيضاً، لا يمكننا أن ننسى النفايات السائلة، التي مع غياب النشاط الصناعي في لبنان، تتمثل بشكل رئيسي في مياه الصرف الصحي، التي ترمى دون أي معالجة في البحار والأنهار. لنصل إلى النفايات الغازية التي يجرى إطلاقها على شكل غازات من السيارات بشكل رئيسي وتختلط في الجو، تتضمن هذه الغازات أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت وثاني أكسيد النيتروجين والأوزون والميثان.
قرع ناقوس الخطر الفعلي لبنان، عندما بدأت تلك النفايات المنتشرة بالتأثير السلبي المباشر على صحة المواطن وبيئته. حيث ظهرت في الآونة الأخيرة نتائج كارثية، وبالجملة، على صعيد صحة الإنسان وعلى صعيد البيئة.
أبرز آثار النفايات السلبية على صحة الإنسان
1- تساهم النفايات المنزلية مثلاً بزيادة نسبة الأمراض التّنفسية والأمراض الجلدية، مثل الحساسية الجلدية. وتساهم أيضاً في انتشار الحشرات الناقلة للميكروبات والأوساخ: الذباب، الناموس، الصراصير... بالإضافة إلى تجمّع الحيوانات الناقلة للأوبئة والأمراض (الكلاب والقطط الضالة الجرذان والفئران).
2- تصنف المواد البلاستيكية ملوثاتٍ عضويةً ثابتةً، بحيث تُظهر التجارب أن المواد البلاستيكية الدقيقة تُلحق الضرر بالكائنات البحرية والسلاحف والطيور؛ إذ تؤثر على عمل الجهاز الهضمي وتقلل الرغبة لدى هذه الكائنات بتناول الطعام، وتُغيّر من سلوكياتها الغذائية، ما يؤثر على معدل نموها ويقلل من معدلات التكاثر، وبالتالي يؤثر على صحة الإنسان كمُستهلك للغذاء البحري بشكل غير مباشر. أما على الصعيد المباشر، فالنفايات البلاستيكية، وتحديداً عندما يجرى حرقها، تساهم بانتشار الأمراض الرئوية، السرطانات والأمراض التنفسية الخطيرة التي تصل إلى الموت بالاختناق.
تحتل النفايات البلاستيكية المرجع الأول للملوثات البيئية، كونها تأثر على البر، الهواء، المياه، والكائنات الحية في آن معاً
3- تسبب مياه الصرف الصحي غير المعالجة العديد من الأمراض، لا سيما أنها تحتوي على كميات كبيرة من الفيروسات، البكتيريا، والطفيليات، وغيرها من الميكروبات الضارة، وبالتالي حتماً الإصابة بعدة أمراض في حال جرى استهلاك خضار وفاكهة مروية بتلك المياه. ومن تلك الأمراض: التهاب الأمعاء، التهاب الكبد الوبائي، التهاب المعدة وحمى التيفوئيد.
4- تعد الغازات من عوادم السيارات أحد مسببات للإصابة بسرطان الدم وأورام الغدد الليمفاوية، حيث إنها تعمل على تثبيط نخاع العظام، وإعاقة نضوج خلايا الدم، إلى جانب التأثير على قدرة الدم في نقل الأكسجين، ما يؤدي لزيادة الضرر لمرضى القلب، واصابة الرئتين وصعوبة التنفس.
أبرز آثار النفايات السلبية على البيئة
1- تحتل النفايات البلاستيكية المرجع الأول للملوثات البيئية، كونها تأثر على البر، الهواء، المياه، والكائنات الحية في آن معاً: تساهم زيادة نسبة الملوثات البلاستيكية في التربة في جعلها غير صالحة للبناء وإقامة المنشآت فوقها، كما أن بعض المواد الكيميائية الخطرة التي تدخل في تصنيع حبيبات البولي قد تتسرب إلى التربة أو المياه الجوفية وتؤدي إلى تلوثها. من جهة أخرى، تساهم المواد البلاستيكية بإلحاق الضرر بالحيوانات البحرية: قد تبتلع الحيوانات هذه الأكياس والمخلفات البلاستيكية أو تتعرقل بسببها حركتها فتموت.
2- تشكل المياه المبتذلة المصدر الأول لتلوث المياه، وبالتالي القضاء على الثروة البحرية، وتساهم أيضاً بتجريف التربة، حين يُعاد توجيه تلك المياه لاستخدامها في الري، ونظراً لاحتواء تلك المياه على نسبة كبيرة من المواد الكيميائية، فستؤدي هذه المواد إلى إنتاج التربة محاصيل أقل بمعدل أبطأ، مع الوضع في الاعتبار أيضًا حقيقة أن هذه المحاصيل ستؤكل في النهاية، ما قد يؤذي البشر أيضًا.
وتطول تلك الآثار السلبية، لا بل تتطور يوماً بعد يوم، مع غياب الخطط الفعالة للمعالجة... ولبنان، على سبيل المثال لا للحصر، يُسلط الضوء عليه نتيجة صغر مساحته مقارنة بالتلوث الموجود.