أيلول السوري والتعليم
يتهاوى التعريف الرومانسي لشهر سبتمبر/أيلول حين يرتبط حضوره بالواقع السوري المأزوم والمتردّي بحدّة. يستهلك موسم العودة إلى المدرسة ميزانيّات موجودة أو مدعومة من قبل الآخرين لأنّها غير متوفّرة عند غالبيّة الأسر التي قد تضمّ طلابًا وطالبات بمراحل مدرسيّة متعدّدة، تفرض طلبات مُتنوّعة ومُختلفة.
زادتْ بشكلٍ واضح ومُطَمئن نسبيًا المشاريع الداعمة لعودة الطلاب إلى مدارسهم، تبرّعات أفراد لعائلاتِ الأقارب، حشد لمنظّماتٍ أو تجمّعات وفرق لتأمين مستلزمات المدارس والطلاب، والمستلزمات هنا ليست مجرّد حقيبة أو أقلام ودفاتر، هي بشكلٍ أساسي زي مدرسي إلزامي تعجز غالبيّة أرباب العائلة عن تأمينه، خاصة إذا ما توفّرت فيه مواصفات الجودة والشكل الجيّد والديمومة لنهاية العام المدرسي على أفضل تقدير.
تجاوزت حملات دعم الدراسة لهذا العام تأمين الحقائب والقرطاسيّة والزي المدرسي إلى مبادرةِ الكفالة، بمعنى أن يتكفّل أحدهم بمصاريف طالب جامعي لعامٍ كامل، وربّما لنهايةِ التعليم الجامعي، ومع أنّها مبادرات قليلة العدد لكنّها إيجابيّة ومشجّعة وذات جدوى عظيمة. ربّما يقوم البعض بكفالةِ طالبةٍ ثانويّةٍ مجتهدة لكن أهلها عاجزون عن دعمها ماديًا.
كما اتسعت رقعة المبادرات الخاصة للدعم التعليمي لطلّاب الشهادتين الإعداديّة والثانويّة بشكلٍ خاص، وشملت بشكلٍ محدودٍ وخجولٍ تقديم فرص الانخراط في التعليم للمتسرّبين الذين تجاوزوا سنّ التعليم الإلزامي، وللكبار، خاصة النساء اللاتي قرّرن الخوض في تجربةِ الدراسة بحماسٍ كبير لدرجة أنّ سيدة التحقت لدراسة الثانوية مُرَافِقةً لابنتها في معهدٍ خاص يُقدّم دعمًا مجانيًا للدراسة الثانوية.
يغيب الزيت عن شطائر الطلاب المبلولة بالماء أو بالزيت النباتي الرديء مع رشّاتٍ قليلةٍ من الزعتر
وإن بدا المشهد ممّا تقدّم ورديًا وإيجابيًا، لكنه لا يصل لجميع من يحتاجونه. بل نرى أنّ الدعم الفردي غير المتوازن، يشكّل تفاوتًا عامًا في مستوى وجودة وديمومة مشاريع الدعم هذه. فهو غير كاف أبدًا، ولا يغطّي كل جوانب العمليّة التعليميّة، خاصة إذا ما تعمّقنا بجوانب أكثر أهميّة، وربّما توازي أهميّة الدعم الدراسي ومستلزماته، لا سيما ما يتعلّق بتفاصيل وأدوات الدعم المُكمّل للعمليّة التعليميّة مثل أجور المواصلات إلى المدارس والعودة منها، والتي بلغت حدًّا يعجز الكثيرون عنه، وربّما كنتيجة للعجز عن تأمينه تتوقف طالبة أو طالب عن متابعةِ تعليمهم.
كما تجب الإشارة إلى ما يتعدّى أساسيّاتِ الزي المدرسي من الأساسيّات الحياتيّة مثل توفّر الألبسة الدافئة والصحيّة من أحذية وسترات ملابس تردّ البرد والمطر والحر، خاصة في واقع سيئ جدًّا من حيث الخدمات داخل المدارس، وخاصة لجهة عدم توفّر التدفئة أو المسافات الطويلة التي يضطر الطلاب لقطعها سيرًا على الأقدام، خاصة في بعض الأرياف التي يعجز أهلها عن دفع كلفة النقل إلى المدارس.
لكن العامل المؤجّل، والذي يتم إبعاده تحت إلحاح ضرورة تأمين المستلزماتِ التعليميّة هو واقع الأمن الغذائي للطلّاب والطالبات، وربّما للمعلّمات والمعلّمين أيضًا، ويبدو هذا العامل جليًّا وفاقعًا على سحناتِ الطلاب وأجسادهم النحيلة التي يسكنها سوء التغذيّةِ الواضح. تحدّد المعلّمات مظاهر العجز الفائق في علاماتِ الأمن الغذائي من انعدام الطاقة التفاعليّة للطلّاب، ومن غياباتهم الطويلة عن الدراسة بسبب وعكاتٍ صحيّةٍ متكرّرة قد لا تتجاوز الإنفلونزا، لكنّها لضعف بنيتهم، تسلب منهم الطاقة والجاهزيّة للتعلّم.
تبدو الصورة قاتمة من غياب الزيت عن شطائرهم المبلولة بالماء أو بالزيت النباتي الرديء مع رشّاتٍ قليلةٍ من الزعتر، بل تجزم المعلّمات بأنّ غالبيّة الطلاب والطالبات لا يصطحبون سندويشات معهم، عدا عن ظاهرةٍ باتتْ واقعًا منفّرًا، وهي التناقض الصارخ ما بين الطلاب في ذات الصف، بل وذات الحي، إذ يصطحب بعض الطلاب معهم شطائر عامرة بالجبن وسواه، وربّما يحمل أحدهم تفاحة أو موزة، وربّما قطعة شوكولا أو بسكويت، وعلى الرغم من قلّة هذه الحالات لكنّها تحفر عميقًا في وجدان بقيّة الطلاب ومعلّميهم.
إنّه أيلول السوري الكاشف لكلًّ طيات الحزن العميق والفروق الصارخة، أيلول الكاشف لكميّة الاحتياجات الهائلة التي لا تعني شيئًا لأحد.