أجمل ما في "فيسبوك"
أجمل ما في "فيسبوك" هو أنك تستطيع أن تكتب ما تريد. تؤلمك قدمك فتكتب: "قدمي تؤلمني". تسافر فتكتب: "أنا في محطة أولاد زيان"، أو "أنا في مطار شارل لوروا". يتزوج ابن عمتك، فتنشر صور زفافه، وأنت ترتدي بذلة أنيقة في العرس أو بالجلباب الأبيض، وفي يدك كأس الشمبانيا. يموت خالك فتكتب: "حداد"، ثم تنشر صورة سوداء فارغة. الناس يعزونك في التعليقات طيلة أسبوعين، علماً أنك ابتداء من اليوم الثالث، تكون قد عدت إلى حياتك الطبيعية، ترفع صوت آلة التسجيل الصاخبة مساءً، وتصعد فوق طاولة الطعام لترقص، بينما التعازي ما تزال مستمرة، تنهال على صفحتك كثيفة كالرصاص.
تكتب: "هاتفي سُرِق، أرسلوا إليّ أرقامكم في الخاص من فضلكم"، بينما لا يكون هاتفك قد سُرِق، بل الملل وحده هو ما جعلك تخترع ذلك. تنشر قصيدة. تنشر قصة. تكتب: "جمعة مباركة. تقبّل الله صلاتكم"، رغم أنك لا تصلي. تنشر مقطعاً من كلام لدوستويفسكي لم تقرأه في أيّ كتاب لدوستويفسكي، بل وجدته فقط ملقى على قارعة "فيسبوك" في صفحة بدون صورة بروفيل لصاحبها.
تنشر روابط أغان، تدعو إلى التظاهر يوم كذا على الساعة كذا، بينما لا تشارك أنت في المظاهرة. تطلب من أصدقائك دعم صفحتك بالنكز لأنها أصبحت ثقيلة دون أن يعلم أحد في العالم، ما معنى أن الصفحة أصبحت ثقيلة، ولا ما معنى النكز.
تعود إلى البيت جائعاً، فتكتب: "عشاء خفيف الليلة بالمحمصة فقط"! كما لو أنك رجل أعمال يتعشّى عادة بالكافيار
تقاطع التصويت عبر "لا" كبيرة حمراء فوق وجهك. تغيّر صورة بروفايلك متى شئت. تكون في مدينة تارودانت المغربية وتكتب أنك في مدينة أصيلا، المغربية أيضا. لا تعمل لكنك تنشر إشعاراً مفاده أنّك بدأت العمل مع "ماروك تيليكوم" (اتصالات المغرب) مستشاراً تجارياً، والفتيات اللائي يبحثن عن زوج ناجح يباركن لك. تسافر في سيارة ستافيت (سياة نقل بضائع) إلى البادية رفقة جدتك التي أمركم الطبيب بتأسّف سينمائي في المستشفى بأخذها إلى البيت لتموت هناك، فالعلاج لن ينفع معها، بينما تصوّر من نافذة "الستافيت" بكاميرا هاتفك ذي الشاشة المكسورة على شكل عش عنكبوت حقولاً جميلة، وغروباً، وحصاناً قرب بيدر، ثم تنشرها وتكتب: "يا لجمال المغرب"، دون أن تظهر في الصور أيّ إشارة تدل على أنّ السيارة "ستافيت" نقل سري عملاقة ومخرخشة.
تعود إلى البيت جائعاً، فتكتب: "عشاء خفيف الليلة بالمحمصة فقط"! كما لو أنك رجل أعمال يتعشّى عادة بالكافيار. تنام بحذائك، تشخر بانتظام وبأنغام مختلفة ومتنوعة، حسب كلّ وضع، ويصل شخيرك حدّ الصفير..
يستيقظ والدك دون منبه ليصلّي الفجر، يقرأ القرآن بصوت مرتفع، يوقظك، لا تستطيع العودة إلى النوم والمحمصة تتعجّن داخل بطنك والهاكر يسرق حسابك وينشر محادثات حميمة لك مع عشرين ألف فتاة يضعن صور أزهار ومناظر طبيعية مرسومة دون إتقان في لوحات دون توقيع، ويرسلن لك صور ممثلات مجهولات عوض صورهن.. ووالدك الذي تقاعد قبل ستة أشهر، ولم يعد يجد ما يسليه، يوقظك بعكازه، صارخاً فيك: أخرج من البيت وابحث لك عن عمل، فأكتافك أصبحت أكبر من أكتافي، وما زلت تحدّق في ذلك المشقوف، ليلاً نهاراً؟!