حقق المجتمع الدولي كثيرا من أهدافه، بينما ظل الليبيون، في صراعاتهم وانقسامهم وضعفهم، يقدمون الدليل على المقتل الحقيقي في الأزمة، وهو غياب بناء الدولة ومؤسساتها
على مصر إما أن تستمر في مسلسل العنف الذي تنشره في الشرق الليبي، وبذلك ستخسر مصالحها في ليبيا، وتخسر الشارع الليبي، أو أن تتجاوز مشروع الكرامة، وتدخل في معادلة الوفاق، ولكن هذه المرة من دون أن يكون لها الريادة.
قد يكون هناك بعد سياسي لتعزيز فرص التفاوض من مختلف الأطرافالليبية، لكن هذا التفسير قد لا ينتبه إلى المسار الطويل لهذه الشبكات الممتدة في ليبيا، والتي يصعب إيقافها إلا في حالة إجماع حقيقية على الحل في ليبيا.
يقول الواقع إن الأمم المتحدة تتجاوز في ليبيا قضايا أساسية: السياق الحقيقي للصراع، وهو فشل مؤسسات الدولة وخطورة الوضع الاقتصادي والقانوني للبلد، وأن ديناميات اقتصاد الحرب لن تنتهي بمجرد إجراء انتخابات أو صياغة دستور.
هل سيعيد التاريخ نفسه، وتأتي ليبيا بالجديد؟ هل سيكون الجديد تجربةً في الوهم، كتجربة القذافي، أم ستلامس مسارات المستقبل الذي ينتظر العالم؟ هل ستكون الانتخابات التي يبدو أنها ستنعقد في العام المقبل مسرحاً لمشاريع وشخصيات سياسية، بدأت تطفو على السطح؟
تعاظمت المشاهد، وتشكلت السرديات الجهوية منذ بداية عملية الكرامة في بنغازي عام 2014، وصارت إمكانية تكرار نموذج بنغازي كابوساً يستعيذ منه الجميع، لأن المخيال الجامع ربط بين عملية الكرامة والصور المقيتة للجثث، وهي ملقاة في مكبات القمامة.
تتوالى المبادرات من أجل إنهاء الصراع الداخلي في ليبيا، إلا أن السيناريو الأقرب أن تظل الإشكالات المؤسسية والاجتماعية والقانونية قائمة، وأن حالة غياب الدولة ستستمر، وأن الانتخابات لا يمكن أن تحل الإشكالات القائمة..
ثمة منطقان في العالم اليوم، قديم ينظر إلى العالم من منطق القوة، وجديد يعتمد منطق التواصل والشبكات. الربيع العربي، بمثابة مرآة كاشفة لهذا الأمر، فنحن إزاء شبكة ثورية تسعى للتغيير، فيما واجهتها السعودية ودولة الإمارات عبر الانقلابات العسكرية.
تتقصى المطالعة التالية راهن الساحة الليبية المأزومة، واشتباكاتها مع تدخلات خارجية كثيرة، أبرزها الإسناد العسكري النشط الذي يتزود به الجنرال خليفة حفتر وقواته من مصر والإمارات، ما يعني أنّ الأزمة الحادثة في الخليج سيكون لها انعكاساتها في المشهد الليبي.