14 ديسمبر 2017
هل ينجح غسان سلامة في ليبيا؟
نزار كريكش
طرح مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، مقترحه بشأن إعادة الاستقرار إلى ليبيا عبر مسار تعديل اتفاق الصخيرات، وبالتوازي العمل على وضع اللمسات الأخيرة للدستور، ومن ثم الانتخابات التشريعية والرئاسية. جاء هذا المقترح في سياق انتقال الأزمة الليبية من حربٍ داخليةٍ إلى حربٍ بالوكالة، لعبت فيها دول إقليمية دور الوكيل بدعم بعض الأطراف بالسلاح والطائرات، كما بين تقرير الخبراء التابع للأمم المتحدة، ثم بدأ الاقتصاد الوطني ينهار، ومعه زيادة مؤشرات فشل الدولة، جراء النزوح، وانهيار النظام الصحي، وهجرة العقول، فضلاً عن نقص السيولة وانخفاض قيمة الدينار الليبي، وانعدام الأمن في بعض المناطق وحصار أخرى.
ظهر هذا الفشل بوضوح في ظاهرة الهجرة غير النظامية، ووصل معدل الهجرة خلال ستة أشهر في هذه السنة إلى مائة ألف، وتشير تقارير إلى وجود مسلحين من تنظيم الدولة الإسلامية بين هؤلاء المهاجرين، يصل إلى آلاف. وبغض النظر عن هذا الرقم وصحته، إلا أن الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي بدآ يشعران بقلق حقيقي تجاه ما يحدث في ليبيا.
حاولت كل دولة أن تضع حلولاً لما يحدث في ليبيا. وتعاملت إيطاليا بشكل مباشر مع بعض الكتائب لمحاربة ظاهرة الهجرة. توجهت فرنسا إلى دعم خليفة حفتر، والالتقاء برئيس المجلس الرئاسي، وحاولت التوغل في الجنوب، وإقامة قواعد لكي تراقب الحدود الجنوبية، لضمان
مصالحها في الطرق الموصلة إلى فرنسا، سواء من أجل اليورانيوم، أو الحفاظ على طرق الإمداد من المواد الخام لمصانعها، وقبل ذلك نفوذها التاريخي في أفريقيا. حاولت بريطانيا كذلك عبر وزير خارجيتها، بوريس جونسون، الاتصال بالأطراف الليبية، وكشفت صحيفة "ديلي ميل" عن عمليات سرية للأجهزة الأمنية في ليبيا. نحن هنا أمام ضياع استراتيجي لقضية تزداد خطورة كل يوم.. ما العمل؟
هنا، بدأ بعضهم يفكر بمقاربة أخرى، هي ضرورة توحيد الاستراتيجيا تجاه ليبيا، فالدب الروسي ينتظر، وكان هذا في اجتماع لندن أخيرا، ودعيت الدول التي يمكن أن تخرق هذه الاستراتيجيا، مصر والإمارات، واتفق الجميع على المضي في حل تضعه الأمم المتحدة باتفاق الجميع، واجتمعت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعرض الأمين العام إمكانيه الحل في ليبيا، وكونها أولوية، وجاء مقترح غسان سلامة الملاحظ أنه يهدف إلى إيجاد حل سريع لكل الأطراف، وأننا على مشارف نهاية حرب أهلية، يمكن لصدمتها أن تضعنا أمام حلول تضع الجميع في سياق واحد. وينطلق الحل من توفير الإطار الدستوري لإجراء الانتخابات. أي أن الحل هو الانتخابات التي ستأتي برئيس وبرلمان جديدين، وهكذا نخرج من انقسام السلطة. وكان البند الأخير في مقترحه هو المصالحة الوطنية. المؤتمر الوطني الذي عرضه غسان سلامة في مقترحه محاولة لتوسيع دائرة المشاركة في الحل السياسي، وإيجاد قاعدة توافقية أوسع، يمكن البناء عليها لإنجاح المقترح الأممي.
السؤال الآن: هل هناك مقاربة جديدة في عرض غسان سلامة؟ بالطبع الرجل جزء من منظومة الأمم المتحدة التي ينتقدها باحثون وأكاديميون بإهمال السياقات التاريخية للدولة، بمعنى أن هذه الوصفة السياسية لا تختلف كثيراً عن وصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي (الخصصة وتعويم العملة مقابل القروض وإعادة هيكلة الاقتصاد وفق معايير صندوق النقد الدولي). ويؤكد المتخصص في قضايا الحروب الأهلية والنزاعات، إدوار نيومان، في كتبه على ضرورة تغيير المقاربة للأمم المتحدة.
كان غسان سلامة في كلماته أمام الأمم المتحدة مختلفاً عن غيره، فهو يدرك أهمية البناء المؤسسي وسيلة لضمان استمرار الحلول السياسية، بمعنى أن إحلال الاستقرار يقتضي ثلاث خطوات، نهاية الحرب وبناء مؤسسات الدولة ثم ضمان استمرار هذه المؤسسات في تحقيق السلام والاستقرار والتنمية؛ لكن المقترح الذي يقدمه سلامة يرتكز على الانتخابات والدستور، وهي نهايات غير مضمونة، فقد كان لدى ليبيا دستور وضع بإشراف الأمم المتحدة، وللأسف انقلب معمر القذافي عليه، وباركت الأمم المتحدة القذافي، وفرشت له البسط الحمراء والخضراء في كل المحافل.
أما عن الانتخابات، فهي حسب الدراسات، ومنها ما نشرته مؤسسة روتليدج في كتاب لمجموعة باحثين "الطريق إلى الحرية" (2013)، لا يمكن أن تكون وحدها من عوامل التحول الديمقراطي، وإنما يعزز الممارسة الديمقراطية بناء مؤسسات الدولة، بمعنى أن العلاقة بين ذلك التحول وبناء الدولة يأخذ شكلا سيئا، وهذا يعني أن لاعلاقة مباشرة بين الانتخابات والتحول نحو الاستقرار.
ومن الممكن أن نظن أن اجتماع لجنة الحوار من المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب بشأن الاتفاق هو اجتماع قد يضع حداً للصراع على السلطة، وهذا يعني أن المقترح قد جاء على العقدة الأساسية في ليبيا، وهي السلطة، وأنه ببناء الدستور والانتخابات قد قفلنا المرحلة الانتقالية، ويأتي بعد الحديث عن المؤسسات. هذا ممكن، لكن المقترح لم يبين ما بعد الانتخابات، وكيف يمكن ضمان عدم عودة الأمور إلى ما كانت عليه، كأن يرفض بعضهم،
بإيعاز من الدول الخارجية، الانتخابات، أو أن تتعارض مصالح هذه الدول مع النظام الذي يصل إلى السلطة، فيقرّر أن يبدأ بتحريك أدوات النزاع، أو أن يقول لنا المقترح كيف سيتعامل مع الأزمات الخانقة التي تعيشها البلاد في تلك السنة الموعودة، أي مع اكتمال المدة المقترحة لنهاية الأزمة.
يقول الواقع إن الأمم المتحدة تتجاوز قضايا أساسية، هي السياق الحقيقي للصراع، وهو فشل مؤسسات الدولة وخطورة الوضع الاقتصادي والقانوني للبلد، وأن ديناميات اقتصاد الحرب لن تنتهي بمجرد إجراء انتخابات أو صياغة دستور.
ويمكن لغسان سلامة أن ينجح، إذا ما ذهب إلى أبعد من الانتخابات، ففي علم المستقبليات القدرة على وضع مخططات أكبر زمنا قد تضع حلولاً لقضايا آنية وعاجلة، وربما سيجعل هذا الأمر الدول التي تعنى بالشأن الليبي أمام تحدّي العمل الجدي مع ليبيا. ويقترح بعضهم خطة مارشال، وهي بناء مؤسسات ليبيا، كما فعلت الولايات المتحدة مع أوروبا.. لم لا؟ عندما يبدأ الحديث عن المال، يمكنكم الحكم على جدية المشاركة والرغبة في الوصول إلى الحلول.. فتش عمّن سيدفع التكاليف، لتعرف هل ما يحدث إعادة الاستقرار أم تدوير للأزمة؟
ظهر هذا الفشل بوضوح في ظاهرة الهجرة غير النظامية، ووصل معدل الهجرة خلال ستة أشهر في هذه السنة إلى مائة ألف، وتشير تقارير إلى وجود مسلحين من تنظيم الدولة الإسلامية بين هؤلاء المهاجرين، يصل إلى آلاف. وبغض النظر عن هذا الرقم وصحته، إلا أن الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي بدآ يشعران بقلق حقيقي تجاه ما يحدث في ليبيا.
حاولت كل دولة أن تضع حلولاً لما يحدث في ليبيا. وتعاملت إيطاليا بشكل مباشر مع بعض الكتائب لمحاربة ظاهرة الهجرة. توجهت فرنسا إلى دعم خليفة حفتر، والالتقاء برئيس المجلس الرئاسي، وحاولت التوغل في الجنوب، وإقامة قواعد لكي تراقب الحدود الجنوبية، لضمان
هنا، بدأ بعضهم يفكر بمقاربة أخرى، هي ضرورة توحيد الاستراتيجيا تجاه ليبيا، فالدب الروسي ينتظر، وكان هذا في اجتماع لندن أخيرا، ودعيت الدول التي يمكن أن تخرق هذه الاستراتيجيا، مصر والإمارات، واتفق الجميع على المضي في حل تضعه الأمم المتحدة باتفاق الجميع، واجتمعت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعرض الأمين العام إمكانيه الحل في ليبيا، وكونها أولوية، وجاء مقترح غسان سلامة الملاحظ أنه يهدف إلى إيجاد حل سريع لكل الأطراف، وأننا على مشارف نهاية حرب أهلية، يمكن لصدمتها أن تضعنا أمام حلول تضع الجميع في سياق واحد. وينطلق الحل من توفير الإطار الدستوري لإجراء الانتخابات. أي أن الحل هو الانتخابات التي ستأتي برئيس وبرلمان جديدين، وهكذا نخرج من انقسام السلطة. وكان البند الأخير في مقترحه هو المصالحة الوطنية. المؤتمر الوطني الذي عرضه غسان سلامة في مقترحه محاولة لتوسيع دائرة المشاركة في الحل السياسي، وإيجاد قاعدة توافقية أوسع، يمكن البناء عليها لإنجاح المقترح الأممي.
السؤال الآن: هل هناك مقاربة جديدة في عرض غسان سلامة؟ بالطبع الرجل جزء من منظومة الأمم المتحدة التي ينتقدها باحثون وأكاديميون بإهمال السياقات التاريخية للدولة، بمعنى أن هذه الوصفة السياسية لا تختلف كثيراً عن وصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي (الخصصة وتعويم العملة مقابل القروض وإعادة هيكلة الاقتصاد وفق معايير صندوق النقد الدولي). ويؤكد المتخصص في قضايا الحروب الأهلية والنزاعات، إدوار نيومان، في كتبه على ضرورة تغيير المقاربة للأمم المتحدة.
كان غسان سلامة في كلماته أمام الأمم المتحدة مختلفاً عن غيره، فهو يدرك أهمية البناء المؤسسي وسيلة لضمان استمرار الحلول السياسية، بمعنى أن إحلال الاستقرار يقتضي ثلاث خطوات، نهاية الحرب وبناء مؤسسات الدولة ثم ضمان استمرار هذه المؤسسات في تحقيق السلام والاستقرار والتنمية؛ لكن المقترح الذي يقدمه سلامة يرتكز على الانتخابات والدستور، وهي نهايات غير مضمونة، فقد كان لدى ليبيا دستور وضع بإشراف الأمم المتحدة، وللأسف انقلب معمر القذافي عليه، وباركت الأمم المتحدة القذافي، وفرشت له البسط الحمراء والخضراء في كل المحافل.
أما عن الانتخابات، فهي حسب الدراسات، ومنها ما نشرته مؤسسة روتليدج في كتاب لمجموعة باحثين "الطريق إلى الحرية" (2013)، لا يمكن أن تكون وحدها من عوامل التحول الديمقراطي، وإنما يعزز الممارسة الديمقراطية بناء مؤسسات الدولة، بمعنى أن العلاقة بين ذلك التحول وبناء الدولة يأخذ شكلا سيئا، وهذا يعني أن لاعلاقة مباشرة بين الانتخابات والتحول نحو الاستقرار.
ومن الممكن أن نظن أن اجتماع لجنة الحوار من المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب بشأن الاتفاق هو اجتماع قد يضع حداً للصراع على السلطة، وهذا يعني أن المقترح قد جاء على العقدة الأساسية في ليبيا، وهي السلطة، وأنه ببناء الدستور والانتخابات قد قفلنا المرحلة الانتقالية، ويأتي بعد الحديث عن المؤسسات. هذا ممكن، لكن المقترح لم يبين ما بعد الانتخابات، وكيف يمكن ضمان عدم عودة الأمور إلى ما كانت عليه، كأن يرفض بعضهم،
يقول الواقع إن الأمم المتحدة تتجاوز قضايا أساسية، هي السياق الحقيقي للصراع، وهو فشل مؤسسات الدولة وخطورة الوضع الاقتصادي والقانوني للبلد، وأن ديناميات اقتصاد الحرب لن تنتهي بمجرد إجراء انتخابات أو صياغة دستور.
ويمكن لغسان سلامة أن ينجح، إذا ما ذهب إلى أبعد من الانتخابات، ففي علم المستقبليات القدرة على وضع مخططات أكبر زمنا قد تضع حلولاً لقضايا آنية وعاجلة، وربما سيجعل هذا الأمر الدول التي تعنى بالشأن الليبي أمام تحدّي العمل الجدي مع ليبيا. ويقترح بعضهم خطة مارشال، وهي بناء مؤسسات ليبيا، كما فعلت الولايات المتحدة مع أوروبا.. لم لا؟ عندما يبدأ الحديث عن المال، يمكنكم الحكم على جدية المشاركة والرغبة في الوصول إلى الحلول.. فتش عمّن سيدفع التكاليف، لتعرف هل ما يحدث إعادة الاستقرار أم تدوير للأزمة؟
مقالات أخرى
07 نوفمبر 2017
04 أكتوبر 2017
14 سبتمبر 2017