الرابحون من تراجع أسعار النفط والمستهلك خارج المعادلة

29 أكتوبر 2014
المواطن لم يستفد من تراجع أسعار النفط (فرانس برس)
+ الخط -

تعدّ مصر من أكبر الدول العربية التي تعاني من أزمة وقود بسبب اعتمادها الكبير على استيراد معظم احتياجاتها النفطية، ما جعل النفط أحد مصادر استنزاف النقد الأجنبي، وبالتالي كانت التوقعات تصب في صالح استفادة مصر من تراجع أسعار النفط حيث إن فاتورة وارداتها تبلغ نحو 1.2 مليار دولار شهرياً.

ورغم الوفرة المالية المتوقعة للحكومة المصرية من تراجع أسعار النفط، إلا أن المواطن لن يشعر بأي تحسن في ظل اتجاه الدولة لإلغاء دعم الوقود بشكل كامل خلال 5 سنوات حسب محللين.

ويقول خبراء طاقة، إن انخفاض الأسعار يصب في مصلحة الدول المستوردة ومنها مصر، غير أنه لن ينعكس على أسعار الوقود محلياً نظراً لأن الوقود مازال مدعوما حتى الآن، وفقدت أسعار النفط العالمية 25% من قيمتها منذ يونيو/حزيران الماضي وحتى الآن لتصل لأقل من 85 دولارا للبرميل.

وقال الخبير البترولي إبراهيم زهران، إن تراجع أسعار النفط عالميا يصب في صالح الدول المستوردة لأنه سيساهم في تقليل قيمة فاتورة وارداتها الخارجية، مشيرا إلى أن مصر ستكون من أكبر المستفيدين من انخفاض أسعار النفط العالمية لأنها تستورد نصف احتياجاتها من المشتقات البترولية، غير أنه أكد عدم تراجع أسعار الوقود محليا، نظرا إلى أنه لايزال مدعما حتى بعد الزيادة الأخيرة التي أقرتها الحكومة في يوليو الماضي.

وأوضح زهران، أن مصر تستورد كميات كبيرة من المنتجات البترولية تقترب من مليون طن بنزين، و2 مليون طن بوتاجاز، و7 ملايين طن سولار، بالإضافة إلى 200 مليون برميل من الزيت الخام.

وتحولت مصر إلى مستورد للنفط في عام 2008، واتخذت حكومة نظيف في عام 2007 قرارها بالتخفيض التدريجي لدعم الطاقة على الصناعات كثيفة استخدام الطاقة، وأن يكون ذلك على مدى ثلاث سنوات، لكن دخول الأزمة المالية العالمية، وما تبعها من آثار سلبية على الاقتصاد المصري، أجل هذه الخطوة.

وبعد أن كان النفط على مدار نحو عقدين ونصف، أحد مصادر النقد الأجنبي في مصر، أصبح مصدر استنزاف للنقد الذي تعاني البلاد من ندرة شديدة منه، وهذه الندرة تُحدث اضطرابات مستمرة في الاحتياطي لدى البنك المركزي، وكذلك في سوق الصرف.

وللمرة الأولى يتم الإعلان بعد ثورة 25 يناير، عن مستحقات متأخرة لشركات النفط الأجنبية تصل لأكثر من ست مليارات دولار، تعجز الدولة عن سدادها، وكلما قامت بسداد نحو 25 % من هذا الدين، يتراكم ويصل لنفس القيمة بعد شهور معدودة.

وعقب انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، كانت الشحنات النفطية أبرز صور الدعم المقدمة من دول خليجية لمصر، سواء المجانية منها، أو المقدمة في صورة تسهيلات، وحسب التقديرات الرسمية، فإن الشحنات النفطية المقدمة لمصر تصل قيمتها لنحو 750 مليون دولار شهريا، ويبقى نحو نصف مليار دولار أخرى احتياجات نفطية لمصر لا بد من تدبيرها بعد الحصول على شحنات الدعم الخليجية. وهو ما يمثل مصدر ضغط مستمر على ميزان المدفوعات المصري، وتهديدا دائما لاحتياطي النقد الأجنبي.

لكن في ظل انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية، يلوح في الأفق مؤشر لاستفادة مصر من هذا الانخفاض، وتشير بيانات التقرير السنوي للبنك المركزي المصري عن العام المالي 2012/ 2013 إلى أن هناك عجزًا في الميزان البترولي على مدار العامين 2011 /2012 و2012 /2013 بقيمة 550 مليون دولار و490 مليون دولار على التوالي، مع توقعات بزيادته.

ويوضح تقرير وزارة التخطيط، إلى أن إنتاج النفط بمصر زاد بنسبة 10% في عام 2013 /2014 عن العام السابق له، كما أن الصادرات من النفط الخام زادت بنسبة 25.3% في عام 2012 /2013، إلا أن الملفت للنظر أن الواردات من النفط الخام بمصر في نفس العام زادت بنسبة 50.9%.

ويخلص محللون من هذه البيانات إلى أن مصر تعيش أزمة في موارد الطاقة، وهو ما دلل عليه أداء هذا القطاع منذ عام 2012 /2013 وحتى الآن، وأن مصر سوف تشهد المزيد من الاحتياجات من الطاقة، حيث تشير التقديرات إلى أن احتياجات مصر من الطاقة تزيد سنويا بمعدل 3%، وهو ما دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخرا لإصدار قرار جمهوري يسمح للقطاع الخاص بإنتاج الكهرباء، ليس في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة فحسب، ولكن تلك المحطات التي تعتمد على الوقود الإحفوري، وكذلك الترويج لاستخدام الفحم في إنتاج الطاقة في مصر، على الرغم مما يعتري هذا التوجه من مشكلات تتعلق بالبيئة.

وأعدت موازنة هذا العام حساباتها على متوسط سعر للنفط، بحدود 105 دولارات للبرميل، لكن بعد مضي شهر واحد على بداية العام المالي الحالي، وعلى وجه التحديد في أغسطس/آب 2014، بدأت موجة هبوط أسعار النفط في السوق العالمية، مما يجعلنا للوهلة الأولى نرصد وجود وفورات في تقديرات الموازنة المصرية لتكاليف النفط المستورد، حيث إن الفارق بين السعر المقدر بالموازنة وما هو قائم الآن في نهاية أكتوبر الحالي، يصل لنحو 20 دولارا للبرميل.

ولكن ما يدفع المحللين إلى عدم التفاؤل هو أن ما يعلن من أسعار في سوق النفط حاليًا يخص التعاقدات المستقبلية، وبالتالي يجب أن تكون هناك شفافية في معرفة المعلومات الخاصة بطبيعة العقود المصرية.

كما يجب النظر إلى الأمور المتعلقة بما أعلن عن تقديم الإمارات لتسهيلات في توريدات نفطية لمصر خلال العام الحالي تقدر بـ 8.5 مليار دولار، ومعرفة ما هي الأسعار المتفق عليها حتى يمكن اعتبار ذلك في صالح الموازنة العامة للدولة.

وحسب خبراء نفط فإن رصد حجم استفادة الموازنة العامة بمصر من انخفاض سعر النفط في السوق العالمي، مرهون بمعرفة طبيعة الواردات الحالية، وأسعار العقود الخاصة بها، سواء من الشركات المنتجة للنفط في مصر، أو الموردين الخارجيين، وكذلك طبيعة التعاقد على تسهيلات الإمارات النفطية على مدار العام.

ورغم ذلك أكدوا أن هناك فرصة للقطاع الخاص المصري للاستفادة من انخفاض أسعار النفط عالمياً، لكي يتمكن من تخفيض قيمة التكاليف لمنتجاته بمقدار التراجع في أسعار النفط.
المساهمون