50 عامًا على "نصف شهر المخرجين (أسبوعا المخرجين)". القسم، المُقام إلى جانب المسابقة الدولية الرسمية لمهرجان "كانّ" السينمائي، ناشىء بعد "ثورة الطلاب" الفرنسيين في "مايو/ أيار 1968". احتفال المهرجان بمرور نصف قرن على تلك الثورة يُواكب احتفال "جمعية المخرجين السينمائيين" بمرور نصف قرن أيضًا على إنشاء القسم. الحدثان مهمّان: ثورة الطلاب سببٌ في تغيير مفاهيم عيش وسلوك وتربية واشتغال في الفنون والآداب كافة، و"نصف شهر المخرجين" منبثق من حراكِ سينمائيين منشغلين بهموم الطلاب والعمّال في تصدّيهم لنظامٍ بالٍ في السياسة والاجتماع والاقتصاد والعيش.
القسم السينمائي معنيٌّ بهمّ جمالي وثقافي وفني يرتكز تجديده على ابتكار أشكالٍ مختلفة للقول البصري. دورته الأولى ـ المُقامة في الدورة الـ22 (8 ـ 23 مايو/ أيار 1969) لمهرجان "كانّ" ـ تأكيدٌ على حرية حقيقية في اختياراته المتحرّرة من قيود إيديولوجية وتقنية، وفي استجابته لرغبة في تحويل أيامه إلى مساحةٍ لتمثيل سينمات العالم من دون استثناء.
لتأسيس القسم حكاية تبدأ مع قرار طرد هنري لانغلوا من إدارة "السينماتيك الفرنسية" (فبراير/ شباط 1968)، فيطلب نقّادٌ ومخرجون فرنسيون من سينمائيي العالم "مناصرتهم" في مواجهة التعنّت الإداري، وما يصفونه بأنه "عمل لا أخلاقي". مخرجون عديدون يوافقون: تشارلي شابلن وروبيرتو روسّيليني وفريتز لانغ وآبل غانس وأورسون ويلز وستانلي كوبريك وغيرهم. تخضع الحكومة للضغوط. يستعيد لانغلوا منصبه بعد شهرين (أبريل/ نيسان 1968).
إنها البداية. التحرّك الطالبي والعمّالي في مايو/ أيار (68) كفيلٌ بقلب الموازين. يتوجّه سينمائيو "الموجة الجديدة"، وأبرزهم فرنسوا تروفو وجان ـ لوك غودار، إلى "كانّ"، لتحريض مشاركين فيها على الانسحاب. هذا حاصلٌ. هذا تفعيل للدور الحيوي لـ"جمعية المخرجين السينمائيين" في بلورة العلاقة القائمة بين السينما والاجتماع الفرنسيين. ينشأ برنامج "نصف شهر المخرجين، ويستمرّ: "لأنّ الدورة الأولى مُثيرة لحماسة كثيرين بفضل نجاحها، ينتفي كلُّ سببٍ للتوقّف عن تنظيم دورات سنوية"، يقول بيار ـ هنري دولو، مؤسّس البرنامج ومندوبه العام لـ30 عامًا (1969 ـ 1998). تمكّنُه من الاطّلاع على كيفية عمل مهرجان "كانّ" مفيدٌ للغاية: "التشدّد في الاختيار وصناعة "كاتالوغ" سمتان أساسيتان للدورة الثانية. برنامج "نصف شهر المخرجين" يُصبح جزءًا من عادات المهرجان في 3 أعوام فقط".
"جمعية المخرجين السينمائيين" راغبةٌ في زيادة عدد الأفلام الفرنسية في لائحة الاختيارات الخاصّة ببيار ـ هنري دولو، المُصرّ على ثباتٍ مرتكز على ما يلي: "لن يكون حضور السينما الفرنسية أكبر من أيّ تمثيل أجنبي"، وكي يتمّ اختيارها، يُفترض بالأفلام الفرنسية أن تكون جيّدة، تمامًا كما يُفترض بالأفلام الأجنبية أن تكون عليه. اختلاف وجهات النظر بين الطرفين سببٌ لإيجاد "آفاق السينما الفرنسية"، بإدارة جاك بواترونو.
نجاح القسم مُثير لغضب جيل جاكوب، المندوب العام لمهرجان "كانّ" بين عامي 1978 و2001: "عندما أختار فيلمًا مرفوضًا من قِبَله، يُطالب به"، يقول دولو. أما برونو إيشر ـ الصحافي السابق في يومية "ليبراسيون" وأسبوعية "تيليراما"، ومُبرمج "نصف شهر المخرجين" في أعوام 2015 و2017 و2018 ـ فيقول إن القسم "مُلهِمُ مهرجانات كبيرة". يؤكّد أنه مستمرٌ في اعتماد استقلالية كاملة في عملية الاختيار: "البرنامج "جزيرة حرية" في سبعينيات القرن الـ20، إزاء "الحسّ الأكاديمي" للمهرجان ومفهوم الاختيارات لديه"، يقول إيشر، مُضيفًا أن الدول، في تلك الفترة، "تختار الأفلام، مع ترتيبات ـ مشكوك فيها بشكلٍ أو بآخر ـ بين وزارات الشؤون الخارجية التي تمارس ضغوطًا، وأحيانًا تفرض عقوبات في حالة عدم رضاها". ينتهي برونو إيشر إلى التأكيد على أن القسم "سببٌ لتغيير قواعد اللعبة".
سينمائيون عديدون منطلقون في صناعة السينما من "نصف شهر المخرجين"، كأولئك الفائزين بجائزة "الكاميرا الذهبية" أو غير الفائزين بها. أحدهم مارتن سكورسيزي، الحاصل على جائزة "المدرِّب الذهبي" الممنوحة من القسم في الدورة الحالية، هو المنطلق منه عام 1974 مع "شوارع دنيئة"، علمًا أنه فائزٌ بـ"السعفة الذهبية" من المهرجان بعد عامين فقط عن "سائق التاكسي". الفائزون بـ"السعفة الذهبية" كُثر: الأخوان الإيطاليان باولو وفيتّوريو تافياني عن "بادري بادرونا" (1977)، بعد 5 أعوام على بدايتهما في القسم مع "للقديس ميشال دجاجة"، هما المشاركان فيه أيضًا عام 1975 بـ"ألّوسانفان". الأخوان البلجيكيان الحاصلان على "السعفة الذهبية" مرّتين، عن "روزيتا" (1999) و"الولد" (2005)، لهما بداية تعود إلى عام 1996 مع "الوعد". وقبل 20 عامًا على حصوله على أول "سعفة ذهبية" عن "الشريط الأبيض" (2009)، علمًا أن الثانية عن "حبّ" (2012)، يُشارك النمساوي ميشائيل هانيكي في "نصف شهر المخرجين" 3 مرات: "القارة الـ7" (1989) و"فيديو بيني" (1989) و"71 شظيّة من التسلسل الزمني للصدفة" (1994).