33 مليوناً أتلفها الهوى

24 أكتوبر 2015

صنع الله ابراهيم كتب رواية عام 1968ونشرها عام 2015

+ الخط -
بعد ثورةٍ ملأت الميادين، ورمت غسالات وبوتاجازات وثلاجات وخلاطات وساعات أوميجا، بكوبونات من طائرات القوات المسلحة، على نجيل ميدان التحرير التي سالت فيه دماء الشهداء في يناير. بعد سنتين فقط من هذا المشهد، أي من أسبوع تقريباً، لم تستطع قوى تلك الثورة أن تقيم على أرض وطنها وترابه مباراة لكرة القدم بين فريقي الأهلي والزمالك، فأقيمت المباراة على ملعب الشيخ هزّاع في دولة الإمارات، فكيف، إذن، خرج الـ 33 مليون ثائر في ميادين المحروسة في ست ساعات، صوّرها المخرج خالد يوسف بكاميراته من طائرات الجيش، مستعينا بكل أدواته التقنية من تصغير وأبعاد وكلوزات وزوايا، مع تعتيم المشهد، لأن الزحف الثوري من الـ33 مليون ثائر أقسم، بحضرة رع في الأعالي، ألا يقوم بالثورة، إلا في المغارب، احتراما لرع، وحفاظاً على غموض المشهد، بعد زوال الشمس، وفرصة للثوّار لكي يأخذوا قهوة العصاري وما بعدها في بيوتهم ومقاهيهم. كيف لثورة لها كل هذه الأبعاد من تحديد ساعات الثورة، وتحديد مدتها أيضا بست ساعات، ألا تحمي مباراة في كرة القدم على أرض مصر التي ذكرها الله، وذكر أمانها، في القرآن؟
أتذكر الآن، بعدما رفض الكاتب صنع الله إبراهيم جائزة الرواية قبل سنوات، وأحرج السلطة حرجا كاملا في عهد حسني مبارك، وذلك أنفةً وورعا أيدولوجيا، ونكاية في مبارك ونظامه الذي لم يدخله سجناً، ولو حتى ساعة، عكس نظام عبد الناصر معه. ساعتها، قلنا إن صنع الله إبراهيم يصفع النظام العسكري كله، انتقاما لعذابات ذاقها وهو شاب في مقتبل حياته، كانت يده مقيدة بجوار شهدي عطية، وسلم شهدي للقتل، وظل صنع الله في السجن سنوات، فهل كان صنع الله ينتقم من نظام عسكري. ولكن، بأثر رجعي؟.
الغريب أن صنع الله، بعد خروجه من السجن، اشترك مع رؤوف مسعد وكمال القلش بكتابة كتاب عن ملحمة السد العالي. وهذا في حد ذاته من الأمور المدهشة، والأغرب أن صنع الله، بعدما رفض جائزة الرواية في عهد مبارك، سافر أيضا إلى الإمارات، للتحكيم في جائزة الشيخ هزّاع للقصة القصيرة.
ومن غرائب الغرائب، في الأمر نفسه، أن صنع الله إبراهيم الذي انتقم من نظام مبارك برفض جائزة الرواية، نزل في 30 يونيو مع أربعة وزراء داخلية في ميدان التحرير، نكاية في الإخوان المسلمين وحكمهم، على الرغم أن أغلب هؤلاء كانوا في السجون معه، بل والمضحك في هذا الأمر، ويصلح في حد ذاته أن يكون رواية كابوسية بالفعل، أن صنع الله إبراهيم كتب سنة 1968 رواية أسماها (67)، سجنها في الأدراج خمسين سنة، حتى نشرها سنة 2015، وهي تدين النظام العسكري في مصر، ابتداء من 1952 حتى النكسة، لكنه لم يُقْدم على نشرها كل هذه السنوات، كما ذكر في مقدمته، لكي لا تُضاف الرواية إلى رصيد اليمين في حربه مع النظام، أي أن السبب، أيضاً، نكاية في "الإخوان" الذين كانوا سجناء الواحات معه، حفاظا على دماثة الجلاد وطهره وشرفه. وفي الوقت الذي كان "الإخوان" يجلَدون في العنبر المجاور له، فأي نكاية في ضحية تورث لصنع الله إبراهيم كل هذا الانتقام، لا من الجلاّد، بل من الضحية القريب من زنزانته.
ولكي تكتمل المسرحية الهزلية تماما، لم يخرج أمس من الـ 33 مليوناً لانتخابات البرلمان، إلا نسبة بسيطة، قالت دوائر حكومية إنها لم تتجاوز الـ 5%. وبذلك أتمنى، بل أشير على الحكومة أن تنقل المرحلة الثانية برمتها إلى ملعب الشيخ هزاع، طالما فيه البركة والصلح ما بين المتخاصمين. وأتمنى أن يكون على رأس الجماهير الغفيرة صنع الله إبراهيم، مكيدة أيضاً في "الإخوان"، وحلاً لعقدة التصويت في البرلمان، طالما الـ 33 مليونا تبخّروا بعد سنتين من الثورة.
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري