وبلغ عدد الغارات الروسية، لغاية اليوم، نحو ألف ضربة، بحسب ما نقلت وكالة "إنترفاكس" عن وزارة الدفاع في موسكو، إذ قالت إنّ "الطائرات الحربية الروسية نفّذت 934 طلعة ودمّرت 819 هدفاً للمتشددين في سورية منذ بدء حملتها هناك في 30 سبتمبر/أيلول الماضي". وعلى الرغم من هذا الغطاء الجوي الواسع، لم يتمكن النظام من تحقيق إنجازات ميدانية.
وفي التسلسل التاريخي للتطورات الميدانية منذ بدء الغارات الروسية، يبدو واضحاً أنّ النظام اندفع بصورة غير مسبوقة على جبهات عدة، لا سيما في ريفي حماة وحمص الشماليين، واللاذقية الشمالي والشمالي الشرقي، بالإضافة إلى جبهة ريف حلب الجنوبي، فضلاً عن فتحه لمعركة أخرى في ريف حلب الشرقي، لفك الحصار عن قواته المحاصرين في مطار كويرس العسكري.
ويشير هذا إلى أنّ النظام أراد استثمار الغارات الروسية بأعلى قدر ممكن، لتحقيق إنجازات على الأرض، وتجلى ذلك بوضوح، مع إعلانه في الثامن من أكتوبر/تشرين الأوّل الحالي، وعلى لسان رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش والقوات المسلحة، العماد علي عبد الله أيوب، أنّ "بعد الضربات الجوية الروسية التي خفضت القدرة القتالية لداعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى، حافظت القوات المسلحة السورية على زمام المبادرة العسكرية وشكّلت قوات بشرية مزوّدة بالسلاح والعتاد، كان أهمها الفيلق الرابع اقتحام" مضيفاً أنّ "القوات المسلحة السورية بدأت هجوماً واسعاً بهدف القضاء على تجمعات الإرهاب".
وسبق هذا التصريح بيوم واحد، زج النظام للمئات من مقاتليه على جبهات ريف حماة الشمالي، إذ كان يسعى لاقتحام معظم البلدات التي تسيطر عليها المعارضة السورية هناك، والوصول إلى خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، والواقعة على أوتوستراد دمشق – حلب الدولي. لكن المعارضة فاجأت قوات النظام بقدرات قتالية عالية، فضلاً عن امتلاكها لعدد كبير من صواريخ "التاو" الأميركية التي قلبت موازين المعركة، فخسر النظام هناك بعد أسبوع واحد من المواجهات العنيفة، نحو أربعين مدرعة ودبابة، وأكثر من 400 عنصر من قواته والمليشيات المساندة له.
وفيما استمرت المعركة في ريف حماة الشمالي، وإن بوتيرة أقل حدة من الأسبوع الأول، بقيت المعارضة ممسكة بزمام الأمور إلى حد كبير، وحافظت على مناطق نفوذها ثم التقطت أنفاسها، وشنّت مساء الجمعة وصباح الأحد من الأسبوع الثاني، هجوماً معاكساً، سيطرت خلاله على قريتي معركبة واللحايا شرقي وغربي حماة، وباتت تشكل تهديداً لقوات النظام المتمركزة في مدينة مورك المطلّة على الأوتوستراد الدولي، والتي تعدّ آخر نقطة للنظام شمالي حماة.
اقرأ أيضاً: بدء النزف الروسي سورياً... والمعارضة تُحبط النظام بريف حمص
ولم يختلف المشهد كثيراً في ريف حمص الشمالي، إذ فشل النظام ومنذ بدء هجومه هناك، في 15 أكتوبر/تشرين الأوّل الحالي، في تحقيق أي تقدم يذكر. ففي حين كان هدف النظام ربط مناطق نفوذه بمدينة حمص بتلك الخاضعة لسيطرته جنوب ومدينة حماة، فإن قواته ومليشياته لم تستطع حتى الآن أن تتقدم كيلومتراً واحداً في أقصى الريف الشمالي، والذي يحتاج ليحقق أهدافه فيه، أن يسيطر على خط طولي يبلغ عشرين كيلومتراً مربعاً من شمال حمص حتى جنوب حماة.
ويبدأ هذا الخط من مناطق الدار الكبيرة وتير معلة والغنطو، مروراً بالزعفرانة ومدينة تلبيسة، ثم الرستن، وكلها مناطق تسيطر عليها المعارضة، ولا يوجد للنظام فيها أي حاضنة شعبية. وتكبدت قواته، بحسب ما يؤكد مدير "مركز حمص الإعلامي"، أسامة أبو زيد لـ"العربي الجديد"، خسائر كبيرة، "حصدت في أقل من أسبوعين عشرات القتلى والجرحى، فضلاً عن عدد كبير من المدرعات والآليات العسكرية، ولم تستطع التقدم على أي محور".
وشهد ريف اللاذقية كذلك مواجهات ضاربة، لم يتمكن النظام فيها من اقتحام أيٍ من مناطق سيطرة المعارضة. كما أنّ ريف حلب الجنوبي، الذي لا يزال يشهد مواجهات كرّ وفرّ حتى اليوم، لم يشهد تفوقاً استراتيجياً للنظام. وعلى الرغم من حشد النظام، قبل أيام، بحسب ما أفادت مصادر فصائل المعارضة "العربي الجديد"، في منطقة جبل عزان وحدها (فضلاً عن قواته الموجودة في باشكوي) نحو 450 عنصراً وضابطاً نصفهم من القوات الخاصة المحلية، ونصفهم من غير السوريين مع ثلاث عشرة دبابة، تحضيراً لمعركة جديدة، لاستنزاف المعارضة في حلب، فإنه لم يتمكن من تسجيل خرقٍ مهم لمناطق سيطرة المعارضة، على الرغم من خسارة الأخيرة في هذه المعارك، لعدد من قادتها العسكريين.
وقد يكون الإنجاز الأبرز للنظام على جبهات حلب، هو ما حققه قبل يومين، بتقدّمه مسافة تقدر بنحو اثني عشر كيلومتراً من قرية عبطين وصولاً إلى بلدة كفرعبيد على طريق حلب تل الضمان، مسنوداً بغطاءٍ جوي من الطائرات الروسية، التي شنت عشرات الغارات، التي لم تمنع المعارضة من استعادة بعض المناطق التي خسرتها، فضلاً عن تدمير مقاتليها لأكثر من عشر دبابات ومدرعة عسكرية خلال تلك المعارك المستمرة.
وعلى جبهات ريفي دمشق، لم تتغير خارطة النفوذ العسكري هناك، على الرغم من محاولات عدة للنظام لاقتحام على تخوم الغوطة، كان أبرزها في 18 أكتوبر/تشرين الأوّل الحالي، إذ شنت قواته هجوماً على محور دير العصافير، وحاولت التقدم من محور نولة شرقي الغوطة، وقبل ذلك، محور حي جوبر شرقي دمشق، لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل.
وتعيش الجبهة الجنوبية ثباتاً منذ أسابيع في درعا، إذ لم تشهد أي تقدم للنظام أو تراجع للمعارضة، وإن كانت لم تشهد أيضاً أية معارك تذكر، وبقيت في منأى عن الغارات الروسية، التي لم تستطع حتى الآن تغيير أي واقعٍ عسكري على الأرض في مختلف الجبهات.
اقرأ أيضاً: النظام السوري والروس يُشعلان معركة استنزاف المعارضة