15 يوماً سورياً حاسماً... وواشنطن أقرب إلى الوسيط

03 نوفمبر 2015
قلق حيال ملامح الدور الأميركي الوسيط (فرانس برس)
+ الخط -


تبدو صورة الملف السوري من عواصم المثلث السعودي ــ التركي ــ القطري هذه الأيام، تحديداً بعد انتصار حزب العدالة والتنمية في تركيا، وبعد لقاء فيينا، مزيجاً من التفاؤل الحذر حيال الوضع سياسياً وعسكرياً، من جهة، والقلق إزاء ما يبدو أنه انتقال أميركي من دور الطرف الرافض لبقاء بشار الأسد، إلى ما هو أقرب للوساطة بين معسكري روسيا وإيران (أي النظام)، في مقابل معسكر الثورة والدول الحاضنة لها.

من أروقة القرار في الرياض وأنقرة والدوحة، تخرج إيحاءات واضحة إزاء هذا القلق حيال "ملامح الدور الأميركي الوسيط وغير المفيد بتاتاً حيال مصير الثورة كونه دوراً يعيد إنتاج الأسد ونظامه عملياً وهو ما تدركه واشنطن تماماً، وخصوصاً أن الولايات المتحدة لم تفعل أمراً جيداً لمصلحة الثورة وقواها منذ اندلاعها"، على حد تعبير مصدر أساسي في قرار الثلاثي السعودي ــ التركي ــ القطري. هو ثلاثي موقفه حيال سورية "موحد بالكامل" على كل حال بموجب تصريحات متقاطعة من أطرافه لـ"العربي الجديد".

من الانتخابات التركية يأتي النبأ السعيد ليس للسوريين من معسكر الثورة فحسب، بل بالنسبة للعواصم الداعمة لهذا الطرف في المنطقة أيضاً؛ فإذا كان مجرد الإعلان عن حملة "عاصفة الحزم" في اليمن قبل 7 أشهر، قد أدى فوراً إلى سقوط مناطق مهمة بيد المعارضة السورية المسلحة، مثل بصرى الحرير وجسر الشغور من الجنوب إلى الشمال، فإنّ فوز حزب رجب طيب أردوغان "سيكون له تأثير كبير سورياً مستقبلاً كونه سيمكن حزبه من الحكم منفرداً مجدداً". تأثير ستترجمه أنقرة "بإقامة المنطقة الآمنة بالفعل داخل الأراضي السورية" للأهداف المعروفة سلفاً، تبدأ من حماية اللاجئين فيها من خطر "داعش" والنظام، وصولاً إلى منع توسع المنطقة الخاضعة للانفصاليين الأكراد والوصول إلى الحدود التركية، مروراً بانتقال عدد كبير من اللاجئين السوريين إلى تلك المنطقة من بلدهم، كذلك جزء مهم من المعارضين العسكريين والسياسيين المتحدثين باسم الثورة.
إذاً، تظهر نتيجة الانتخابات التركية كخبر سعيد بالنسبة إلى قيادات في المعارضة السورية، وفي الدول الثلاث. نبأ سعيد من شأنه أن يخفف من حدة القلق إزاء انتقال الطرف الأميركي إلى معسكر "المحايد" أو "الوسيط" رسمياً، وهو ما لا يصب إلا في مصلحة موسكو وطهران ونظام الأسد عملياً. موقف أميركي مثير للقلق ظهر في كواليس جلسة فيينا الطويلة يوم الجمعة الماضية، حيث بدا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف "مرتبكاً إزاء الهجوم الذي تعرض له ليس من نظيره عادل الجبير فحسب، بل أيضاً من الوزيرين الفرنسي والبريطاني"، لوران فابيوس، وفيليب هاموند أيضاً بسلوك "غير مسبوق منذ فترة إزاء الهيبة الروسية، لدرجة أن فابيوس قاطع لافروف بالقول حرفياً: "اصمت ولا تكرر روايتك، فالعالم يعرف أنكم تستهدفون المعارضة وليس داعش"!.
ما حصل في فيينا قد حصل، في ظل تعدُّد القراءات التي تناولت بيان النقاط التسع الصادر عن المجتمعين. لكن الأهم بالنسبة لمصدر خليجي عربي، ما سيفصل فيينا 2 عن فيينا 3 المرجَّح بعد نحو أسبوعين، ذلك أن "الأيام الـ15 المقبلة ستكون مرحلة كسر عظم حقيقي لتنعكس الموازين الميدانية في غرفة الاجتماعات النمساوية المقبلة: هم (روسيا وإيران ورجالها) سيفعلون المستحيل على الأرض، والطرف الآخر أيضاً (المعارضة السورية والدول التي تدعمها) سيفعل كل شيء أيضاً للتقدم". هكذا، من دون مواربة، يصدر إقرار ضمني بأن الحل السياسي يستحيل أن يأتي معاكساً للحقائق والتوازنات العسكرية الميدانية السورية، في فيينا أو في غيرها. لكن ماذا لو حاولت واشنطن فرض حلّ "بالقوة" على الدول الإقليمية الداعمة للثورة والمصرة على ألا يشمل الحل السياسي بشار الأسد؟ سؤال وجيه يقابله رد لا يقل عنه وجاهة من أكثر من مسؤول في هذا الثلاثي: "لا يمكننا محاربة أميركا. هي بالنهاية قادرة على محاصرتنا بقرارات من مجلس الأمن الدولي مثلاً، لكن هل يمكن لواشنطن أن تحارب الشعب السوري؟ ألم تتعلم من تجاربها الفاشلة في العراق وأفغانستان؟". وبرأي المسؤول نفسه، ستكون المهمة أصعب في سورية التي عجزت "خمسة جيوش فيها عن القضاء على الثورة"، في إشارة إلى الجيوش السورية والروسية والإيرانية فضلاً عن "جيش حزب الله" والمليشيات العراقية.

اقرأ ايضاً: بيان فيينا السوري: بنود تعكس الخلافات و"تفاهمات الحد الأدنى"


في جميع الأحوال، يتجه الثلاثي السعودي ــ التركي ــ القطري إلى فيينا بعد أسبوعين بنقاط ثلاث لا رابع لها يطرحها على طاولة المفاوضات مع "الطرف الآخر": أولاً: مناقشة رحيل الأسد، ثانياً: الآلية التنفيذية لبدء تنفيذ خطة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، وثالثاً بند خروج القوات الأجنبية من سورية.
بالعودة إلى فيينا، ثمة الكثير ليُقال عن الجلسة التي استغرقت ساعات طويلة وتخللتها إشكالات واشتباكات كلامية وصلت إلى حد مواجهة عادل الجبير لمحمد جواد ظريف باتهام مباشر بالوقوف خلف تفجيرات الخُبر منتصف التسعينيات، وهو ما حمل اتهاماً مبطناً للولايات المتحدة على قاعدة أنها على علم كامل بنتيجة التحقيقات حيال تورط إيران، فلم تفعل واشنطن إزاء ذلك سوى الضغط على الرياض لطيّ الملف، لأنّ ذلك كان سبباً كافياً لتوجيه ضربة عسكرية لإيران.
في الجلسة الصاخبة، بدا ظريف وهو يحاول توزيع ابتساماته على الحاضرين كالعادة، وذلك إما حرجاً لموقف طهران المعزول، أو في محاولة للإيحاء بارتياح إيراني، أو كليهما. ولكن هدفَي إيران الأساسيين يبقيان: شراء الوقت والمماطلة، وفعل المستحيل للإبقاء على الأسد "وإلا الإتيان بأسد جديد". أما الروسي، فبدا مرتبكاً فعلاً إزاء الوزراء الذين واجهوه "بشدّة". أما أبرز محاولات تعويم الأسد، بحسب مصدر تركي، فقد صدرت بشكل مفاجئ من طرف عربي دُعي للمشاركة. موقف تلقفه وزير الخارجية الأميركي جون كيري بحماسة، ويدعو إلى "الاتفاق على تعريف جديد موحد للإرهاب في سورية حصرياً ينص على التالي: نعلن وقفاً لإطلاق النار في سورية، وأي طرف لا يلتزم به يتم تصنيفه في خانة الإرهاب والتعامل معه من هذا المنطلق". ردّ جاء من إحدى عواصم الثلاث السعودي ــ التركي ــ القطري وينص على "أنه لا يمكن قبول هذا التعريف للإرهاب، فالكثير من السوريين ممن تضرروا من النظام قد لا يلتزمون إذا لم يقتنعوا بحل غير عادل. رحيل الأسد أولاً، نشرع في تطبيق مرحلة الانتقال السياسي ثانياً، ونعلن الحرب على تنظيم داعش ثالثاً، ومَن لا يلتزم بالحرب ضد الإرهاب وداعش يكون إرهابياً بالفعل".
"لم تمت روحية بيان جنيف 1" (2012) بحسب المصدر العليم بتفاصيل ما جرى في فيينا وكل ما يحصل حول الملف السوري، ذلك أن جنيف 1 لا يزال حياً، لكن الخلاف الرئيسي يكمن في قلب جنيف 1 نفسه: الأسد يشارك في المرحلة الانتقالية وتحديد مصير سورية أو لا يشارك؟ خلاف ظلّ ماثلاً في النقاط التسع، سواء تمت تسمية المرحلة الانتقالية بهذا المصطلح أو بـ"الإدارة الانتقالية أو الحكم الانتقالي". فليرحل الأسد ولن نختلف على التسميات... عبارة أثيرة تتكرر في إسطنبول والرياض والدوحة.

اقرأ أيضاً: إيران تؤكد خلافات فيينا وتنفي الموافقة على رحيل الأسد
دلالات